غزة-الرسالة نت
من كان يظن أن الأحداث ستتسارع بهذه الوتيرة ؟! ومن كان يظن أن مصر أرض الكنانة سوف تكون الدولة الثانية لانتفاضة شعبية عارمة يقوم بها الشباب ضد الحكومة المصرية ، مطالبين بإسقاط النظام الفاسد ، الذي أوصل مصر العروبة إلى هذه الدرجة المتدنية من التردي ، وجعلت مصر دولة مستوردة حتى لطعامها وشرابها ، وهي التي كانت تصدر الطعام والشراب إلى الدول المجاورة ، وإني لأذكر ما كان يحدثنا به شيوخنا رحمهم الله تعالى ، إن عام الرمادة – المجاعة – ضرب أرض الجزيرة العربية في زمن الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب ( ، وأصبحت الأسعار غالية ، فإذا بأمير المؤمنين يرسل رسالة إلى واليه على مصر عمرو بن العاص ( يقول له : أدرك أمهات المؤمنين قبل أن تأخذ الكلاب بعراقيبهن من شدة الجوع . فإذا بعمرو بن العاص ( يقول برسالته لأمير المؤمنين عمر ( : لبيك يا أمير المؤمنين ؛ سأرسل إليك قافلة أولها عندك وآخرها عندي على مدار الساعة .
ونجدت مصر أرض الكنانة بنيلها المبارك أرض الحجاز المحرمة المقدسة ، وإني لأذكر ما كانت مصر تقدمه لشعبنا في أول سني الهجرة من قطار الرحمة والطعام والشراب .
فكيف بمصر النيل على ما حباها الله سبحانه وتعالى من خير عميم ، تصبح تستورد طعامها وشرابها من أيدي أعدائها ؟! وكيف وبعض البلاد الاسكندنافية كفنلندا لا تتجاوز مساحتها مساحة محافظة من محافظات مصر ،وليس عندها زراعة ، لنجد أن عائداتها من صناعة أجهزة الاتصال نوكيا ، قد تجاوزت عائداتها مدخولات الوطن العربي قاطبة مرات بما فيها دول النفط والغاز من المحيط إلى الخليج. وكيف لمصر أن تتأخر إلى الدرجة 111من الدول النامية ، بعد أن كانت تتسابق هي وماليزيا والهند على المقاعد الأولى في الدول النامية ؟!
ثم لماذا يركز الاستعمار على مصر العروبة أكثر من غيرها من البلاد العربية ، ليخرجوها من عباءة العروبة والإسلام ، عبر اتفاقيات مذلة مهينة ، كبلت أيادي مصر في الانفتاح وفي الاقتصاد ، حتى بدأت الحكومة تبيع المؤسسات العامة للنقل ، والمواصلات والاتصالات إلى شركات خاصة ، وتخريب الزراعة والفلاحة في أرض النيل ، صاحبة القطن طويل التيلة ، كما أخرت الصناعة إلى أكثر من ثلث قرن عبر اتفاقيات لا تسمح لها باستيراد ما ينفعها ويساعدها في توجهها الصناعي ، بالإضافة إلى الكبت الإعلامي والخنق الأخلاقي ، حتى عادت مصر اليوم غريبة عن كل من عرف مصر قبل ثلث قرن .
لا يعني أن مصر كانت في مصاف الدول الأولى في النماء قبل ذلك ، ولكن أشغلت مصر بشعبها ورجالها ونسائها بحروب خارج بلادها وداخلها أرهقتها ، كانت تستدرج إليها حتى تبقى النفقات على هذه الحروب التي كانت تعتبر تدخلاً في الشئون الداخلية لبعض البلاد .
ولم تبق مصر المصدرة للثورة ، والمساعدة للثوار كما في الجزائر وغيرها . ولكن استدرجت كما قلت إلى ما لم تكن قد استعدت إليه ، فرجعت بذلك عقوداً إلى الوراء . وحتى لا يذهب تفكير القارئ إلى ما لا نريد ، فيظن أننا نقصد الحروب سنة 1948 ، 1956 ، 1967 ، 1973 فهذه خارجة عن نطاق تفكيرنا لأنها كانت تدافع عن حدودها الشمالية ، وتدافع عن أرض فلسطين وهي بوابتها الشمالية ، وترد العدوان الذي كان يتهدد البلاد العربية الأخرى في تحويل مياه نهر الأردن ، والاستيلاء على منابع مياه الليطاني ، وطمع يهود في أرض سيناء وإخراج مصر من ساحة المعركة الحقيقية ضد الكيان الصهيوني إلى غير رجعة .
ثم ألم تر أخي القارئ أن العقود الماضية والتي قام الحكام العرب دون تحديد بمحاربة الجماعات الإسلامية واضطهادها ، وملاحقتها حتى في المؤسسات المالية والاقتصادية التي كانت تعود على البلاد بالخير ، جعل البلاد تتراجع اقتصادياً ، وبالتالي سياسياً لأنها ارتضت أن تكون تبعاً لما يخطط له أعداؤها ، من محاربة كل ما يمت إلى الإسلام بصلة وذلك عبر محاربة الجماعات الإسلامية والتضييق عليها وعلى مؤسساتها حتى الخيرية منها والتي تعود على المواطنين بالخير والتخفيف عنهم من غلاء المعيشة ، وإغاثتهم في أوقات الضيق الزلازل والنكبات ، فإذا بالبلاد تقفر من أصحاب الضمائر الخيرة ، وأصحاب المشاريع الخيرية النافعة ، وذلك إرضاء وتزلفاً لأعداء الله الذين ظنوا أنهم أحكموا القبضة على العالم العربي والإسلامي بإحكام القبضة على مصر العروبة والإسلام ، وهي الدولة العربية الأكبر عدداً وعدداً ومفكرين وعلماء وأدباء ومثقفين ، ولهم تأثيرهم على البلاد العربية والإسلامية ، فإذا بهذه الحكومات التي سارت في مسارات رسمت لها ، كي يصل بها الأمر إلى التنافر بين كل ما يدعو إلى الإسلام عبر الجماعات الإسلامية ، والتي أصبحت جماعات توصم بالإرهاب الفكري والثقافي والإعلامي ، فإذا بهم يحاربونهم بإغلاق الفضائيات التي بدأت تعلم الناس تعاليم الإسلام ، وبدأ الناس يشعرون أنهم سيستعيضون عن إغلاق الصحف والمجلات المتحدثة بلسان الجماعات الإسلامية في البلاد العربية والإسلامية عبر الشبكة العنكبوتية للمعلومات – الانترنيت – والفضائيات الأخرى .
إلا أن دول الاستكبار العالمي ما زالت متخوفة ، فأمرت هذه الحكومات التي أصبحت محتاجة إلى دعمهم العسكري والمادي ، ولا تستطيع أن ترد لهم طلباً تنصاع إلى أوامر الأعداء وتغلق الفضائيات الملتزمة بتعاليم الإسلام وأصبح الناس يتنفسون عن طريقها عبير الإسلام القادم إلى الساحة بإذن الله سبحانه وتعالى .
وقديماً قالوا : كثر الضغط يولد الانفجار . وهاهو الأمر قد انفجر من حيث لا يحتسب الأعداء ، على يد شباب ما عاد يخيفهم شبح الموت ، ولا السجن ولا الاعتقال ، فانتفضوا على كل أنواع الذل والهيمنة لأولئك الذين قدموا مصالحهم الشخصية على مصالح شعبهم ووطنهم ، فانتفخت جيوبهم ، وتكرشت بطونهم ، وتبلدت أحاسيسهم ، فإذا بالملايين يخرجون من حيث لا يحتسب المتحكمون بمقدرات شعوبهم بيعاً وتخصيصاً لهم ولأعوانهم ، ولا أربابهم الذين قرؤوا المكتوب من عنوانه .
فقدموا لهم النصيحة أن غيروا وبدلوا ، وليقدم من كان على رأس النظام استقالته الفورية ، حتى لا يتفاقم الأمر ويصعب حينها التفاهم مع الذين أوذوا في سبيل كرامتهم وعزتهم وعَيْشهم وعِيشهم وسكنهم ، وحاضرهم ومستقبل أولادهم . وما ذاك إلا خوفاً من أن يلجأ الناس إلى دينهم الحق ومن ينادون باستعادة سلطانه ، والذي يلجئون إليه كلما حزبهم أمر .
ولهذا أقرأ التخوفات التي يبديها الصهاينة من مثل هذه الحركات الشعبية على مستقبل الدولة الصهيونية ، حتى قال قائلهم : إن هذا يثبت هشاشة الأمن لدويلة صهيون في هذه المنطقة . لأنهم ربطوا أمنهم بهذه المنظومة من المتحكمين الذين ضيقوا الخناق على كل من يريد العزة والكرامة لشعبة ، ولكل من يريد الخلاص من ربقة سلطان الأعداء على بلادنا ومقدراتها وخيراتها . لذا إن دويلة الصهاينة تعتبر المتحكمين في البلاد العربية حراساً لحدودها ، فهاهي وزارة الدفاع الإسرائيلية تتصل بعمر سليمان وزير المخابرات المصرية وتستفسر منه عن صورة الوضع في مصر ، ومدى ضبط مصر للحدود مع غزة ، بعد وصول معلومات استخبارية لديها بزيادة وتيرة التهريب عبر محور فيلادلفي .
وأكثر شيء يخافه الأعداء هو مجيء التيارات الإسلامية التي حاولوا وما زالوا إبعادها عن الساحة بكل ما أوتوا من قوة . يقول الرئيس حسني مبارك لقناة أيه بي سي الأمريكية : كفاني بعد 62 عاماً في الخدمة العامة وأريد الرحيل ولكن أخشى الفوضى . وماذا يقصد بالفوضى ؟! وهاهو يفسرها بقوله كما نقلت وكالة رويترز عنه قوله : إن تنحيت عن الحكم الآن سيستولي عليه الإخوان أي المسلمون . وهو الذي تخشاه حكومة صهيون ، وتجعل انتخابات فلسطين والتي جاءت بحماس إلى سدة الحكم فزاعة تخيف العالم ، حتى لا تعود أكبر قوة محركة للشعب المصري إلى ميدان التنافس في خدمة شعبها ووطنها . وحسبنا الله ونعم الوكيل .