قائد الطوفان قائد الطوفان

‏(إيمان) حلمت بفستان فرح فزُفت وشقيقتها (دانية) إلى السماء ‏

الرسالة نت-مها شهوان

قبل أيام كان علاء عدس "أبو حمزة" والد الشهيدتين (إيمان ودانية) يقضي بعضا من الوقت ‏بصحبة عائلته على شاطئ بحر غزة، وكان صوت ضحكاتهم يملأ المكان.‏

استغلت العائلة اجتماعها وبدأت بالتخطيط لفرح ابنتهم دانية المقرر بعد شهرين، وكيف سيكون ‏شكل فستان زفافها. ‏

قاطعت الصغيرة إيمان – 14 عاما- حديث والدها لتخبره "بابا رأيت في المنام أني أرتدي فستاناً ‏أبيضا"، ففسره لها لحظتها: هذه أختك دانية التي ستزف قريبا"، وفي الحقيقة كان التفسير هو أنهما ‏ستزفان شهيدتين بعد قصف استهدف منزل القيادي في الجهاد الإسلامي خليل البهتيني الذي ‏يجاور عائلة عدس في منطقة الشعف شرق مدينة غزة. ‏

ماذا جرى؟ يقول الأب: "لا يقوى العقل على احتمال ما حدث"، ثم يكمل وهو يستجمع الكلمات:‏

كنا نائمين، ولكن من قوة الضربة انخلع باب الغرفة ووقع على سريري، وامتلأ البيت بالغبار ‏وبدأت أسأل عن أفراد عائلتي".  ‏

ويكمل حكايته: "ناديت على دانية وإيمان فلم تجيبا، ظننت أنهما مستغرقتان في النوم (..) دخلت ‏غرفتهما وجدتهما تحت الركام وتمكنت بمساعدة الجيران من إخراج إيمان".‏

يصمت متألما ليتابع: نبشت تحت الركام فوجدت دانية كانت جثة هامدة غارقة في دمها، بينما ‏إيمان كانت لا تزال حية تحضن دبدوبها، وتم نقلها إلى المستشفى، لكنها فارقت الحياة في وقت ‏لاحق لتلحق بشقيقتها". ‏

وبحرقة يحكي لجموع المعزين أنه سمى ابنته دانية تيمنا بآية "قطوفها دانية" في القرآن الكريم، ‏وإيمان لأنه مؤمن برب العباد. ‏

خطيب يبكي شريكته ‏

قبل تشييع جثمان الشهيدتين عدس، انتشرت صور كثيرة لخطيب العروس دانية وهو يبكي ويقرأ ‏بجانب نعشها آيات من القرآن الكريم، ثم يصمت ويهمس لها بكلمات دون أن يسمع أحد شيئا ‏منها، لكن كلمات المحب معروفة وعتابه عند الفراق مؤلم. ‏

دانية كانت على موعد مع حفل زفافها بعد شهرين، فقد أخبرها خطيبها محمد سعد بتمكنه من ‏حجز قاعة أفراح تناسب مخططها لتلك الليلة التي سيشاركهما الأحبة فيها. ‏

تشجعت دانية، بعدما أخبرها خطيبها بتمكنه من حجز منتجع صغير لإقامة فرح غير تقليدي، ‏فحددت وجهتها للمحال التي ستختار منها فستان زفافها، إلا أن زفتها كانت غير اعتيادية، وكانت ‏بدلتها كفنها الأبيض. ‏

ليست قصة دانية ومحمد هي الوحيدة التي أنهاها الاحتلال بصاروخ، ففي كل تصعيد على قطاع ‏غزة هناك بطلان تكتب نهاية حياة أحدهما، ويعيش الآخر وهو يسترجع ذكرياته وأحلامه بغصة ‏كبيرة. ‏

رحلت دانية، ولم يتبق لمحمد سوى الصور والذكريات التي تجمعهما سويا في أماكن كثيرة في ‏مدينة غزة. ‏

لا يزال العريس تحت تأثير الصدمة، حين يفيق يبكي مقهورا ويحكي عنه حبه وأحلامهما التي ‏رسماها سويا، ثم يبكي بحرقة وهو يحتضن جهاز فرحها الذي لم ترتدِ منه شيئا. ‏

يروي أمام عدسات المصورين بعدما قبل الحديث، أنه لم يصدق أنه روحه وسعادته خطفهما ‏الاحتلال، لم يتخيل أنه لن يصله بعد اليوم رسالة عبر الواتساب أو اتصال من خطيبته لتسأله ‌‏(أين أنت)، ولم يتخيل أيضا أن دانية لن ترسل له أي أغنية لتكون في زفتهما. ‏

وكأي عروس، كانت دانية تود الذهاب برفقته لاختيار بدلة زفاف خطيبها، لتجعلها تتناسب مع ‏بدلتها، فكان يوم استشهادها هو اليوم الذي حدداه لاختيار بدلة الزفاف والذهاب لشراء غرفة ‏نومهما بعدما أخبرها أنه أخيرا أكمل شقة الزوجية. ‏

يحكي ويبكي وكأنه في حلم، يصمت ويتجول بنظراته وهو يجلس على أريكة في بيت خطيبته ‏عله يلمح طيفها أو تخرج عليه من المطبخ كما اعتادت أن تعد له أشهى أصناف الحلويات. ‏

يتمتم "مش مصدق إنها مش موجودة، ما نمت من وقت عرفت الخبر، نفسي يكون كابوس المهم ‏أصحى منه". ‏

ومع أنه لم يمض يوم على استشهاد خطيبته، إلا أنه بقي طيلة الوقت بجانب قبرها، يحدثها ‏ويحكي لها ما يريد كما اعتاد.‏

البث المباشر