كانوا كأنهم من أبناء غزة، بل أعز.. انصهروا بذكرياتهم وبعاداتهم، احتضنوهم في بيوتهم، آووهم في قلوبهم، ورافقوهم بدعواتهم، حتى جاء وقت الرحيل، فاختلطت دماؤهم، وودعهم أهلها بدموع عيونهم وحرقة تكوي قلوبهم، هم ضفاويون جاؤوا لغزة مطاردين ومقاومين، وارتقوا فيها شهداء.
لم يكن طارق عز الدين سوى واحد من هؤلاء القادة الذين شقوا طريقهم صوب غزة، مجبرين وتحت طائلة الإبعاد القسري؛ لكنه سريعا ما انخرط فيها وأصبح واحدا من أبنائها، فكان مدافعا شرسا عنها، وكانوا هم سندًا وحاضنًا له، أسوة بشهداء آخرين نستعرض أبرزهم بهذا التقرير.
يحيى عياش مهندس الموت
يحيى عبد اللطيف عياش، واحد من هؤلاء الذين لم يترك الاحتلال شبرا واحدا في الضفة حتى لاحقه فيه؛ ليكتشف بعد سنوات طويلة أنّ الشبح قد غادر الضفة وعاش في غزة، بعدما اصطحبه الشهيد القائد سعد الدين العرابيد لغزة بقرار من قائد الأركان محمد الضيف.
عياش لم يعد رمزا لكتائب القسام فقط، بل رمزيته طالت مرحلة مفصلية من مراحل القضية الفلسطينية، وعنون في سجلها مرحلة العمليات الاستشهادية التي شكلت منعطفا مهما في مسارها.
** مازن فقها
شهيد آخر احتضنه تراب القطاع، وهو وريث الشهيد المهندس يحيى عياش وواحد من تلاميذه الذين فخخوا الحافلات وكان أول منتقم لاستشهاد الشيخ أحمد ياسين.
مازن فقها، القائد القسامي العنيد الذي أنجبته طوباس، اعتقل في 5/8/2002، بعد معركة استمرت 6 ساعات، وتحرر في صفقة وفاء الأحرار ليبعد قسرًا إلى غزة، وتسلم بعدها قيادة الكتائب بالضفة، ويقف الشهيد خلف العديد من العمليات، لينجح الاحتلال في اغتياله عام 2017 على يد عملائه.
**طارق عز الدين
الشهيد القائد طارق عز الدين، أسير محرر آخر فتكت به آلة القتل الصهيونية، بعدما أذاق الاحتلال ويلات وحسرات لسنوات طويلة، جنّد فيها الاستشهاديين بمنطقته عرّابة في جنين.
اعتقله الاحتلال في اجتياح جنين عام 2002، وحكم عليه بالمؤبد، إلى أن نجحت المقاومة بالإفراج عنه بصفقة وفاء الأحرار.
الشهيد عز الدين كان قياديا عسكريا في حركة الجهاد الإسلامي، وهو أحد الأسرى المحررين الذين أبعدتهم (إسرائيل) إلى القطاع ضمن الصفقة عام 2011، وهو المبعد الثاني الذي يغتاله الاحتلال في غزة بعد مازن فقهاء القيادي بحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وولد طارق عز الدين عام 1974 بين 12 من إخوته (7 ذكور و5 إناث) في بلدة عرَّابة وبها نشأ وترعرع، ولم يكمل تعليمه الجامعي رغم نجاحه بالثانوية العامة، حيث انخرط بالمقاومة قبل اعتقاله عام 2002.
تعلم داخل السجن اللغة العبرية ودرس العلوم السياسية في الجامعة العبرية، ثم أكمل تعليمه الجامعي ونال شهادة البكالوريوس بعد نقله إلى غزة.
** الشهيد محمود حنني
لم يرق للشهيد محمود حنني أن يرحل عن بلدته نابلس، دون أن يجبر المحتل على دفع ثمن جرائمه.
الشهيد حنني القيادي في لجان المقاومة الشعبية أخ وحيد لـ 11 شقيقة، وأب لأربع بنات وولد. أحب الوطن وعشق الشهادة وداوم على مقاومة الاحتلال الصهيوني منذ نعومة أظفاره.
الشهيد من مواليد عام 1968 في قرية "بيت فوريك" إلى الشرق من مدينة نابلس، نشأ وترعرع في أزقة وأحياء هذه البلدة.
وقد وفّق الشهيد الحنني بين عمله الجهادي ومسيرته العلمية، فحصل على بكالوريوس في الهندسة وكان من أوائل دفعته.
جنّد الاستشهاديين، وخرج من الضفة بعدما كشفته مخابرات الاحتلال، الذي أوعز بأسره لشهور عدة في دولة عربية، لينجح بعدها في الفرار إلى قطاع غزة.
واستشهد حنني عصر يوم الجمعة 9 / 3 / 2012 حينما كان برفقة الأمين العام للجان المقاومة في فلسطين الشيخ القائد "زهير القيسي" (أبو إبراهيم)، حين تعرضت سيارتهما لقصف صهيوني غاشم، أدى لاستشهادهما على الفور.