عاد الاحتلال إلى المخيم، لكنه اقتحام لم يكن كسابقه، ومشاهد تحدث للمرة الأولى، أعادت الحسابات، ورسمت مشهدا جديدا لخريطة الاحتلال في التعامل مع جنين، المدينة التي لم تعد لقمة سائغة في يد القتل والهدم والاعتقال.
دخلت القوات (الإسرائيلية) فجرا مخيم جنين الرابض في أقصى شمال المدينة، والذي بات شوكة في حلق الاحتلال، بدعوى ملاحقة مطلوبين.
من حاجز الجلمة على الخط الفاصل بين حدود الضفة ومناطق الداخل المحتل دخلت قوات الاحتلال، فيما اقتحمت قوات أخرى المدينة، من شارع حيفا، هذه المرة نحو حي الجابريات في المخيم، وحي الهدف، لاعتقال اثنين من المطلوبين لديها.
قوة خاصة تواجدت في المنطقة، وحينما وصلت إلى الجابريات انكشف أمرها واندلعت الاشتباكات بينها وبين مقاومي المخيم، شباب من شهداء الأقصى، الجهاد، حماس، حيث اليد الواحدة تمتد بدون انقسام في المخيم.
أرسل الاحتلال تعزيزاته، مصفحة تلو الأخرى، في المنطقة الأكثر ازدحاما في المدينة، مرت بشارع حيفا، وهذا يعني أنها ستمر بحي الهدف المكتنز بالمقاومين، وهناك بدأت اشتباكا آخر في محور جديد في المخيم، بالإضافة إلى استهداف القوات في حي الجابريات، بعدة عبوات ناسفة، فجرت إحدى المصفحات بكمين صنعته الأيدي المباركة، جرح فيه سبعة جنود.
ركنت الآليات المحطمة بمصابيها المحشورين في زاوية الرعب، تصيبهم أصوات القنابل المصنوعة يدويا بالذعر، وهم ينتظرون أن تنجدهم قنابلهم المتطورة ومدرعاتهم التي أصبح دخولها إلى المخيم مرعبا.
بين نقطة الدخول والخروج حبست سيارات الجنود المرتجفة بين المقاومين في حيي الجابريات والهدف، لا تستطيع الوصول إلى مصابيها داخل المدرعة المعطلة على طريق داخل المخيم، حتى حلق الطيران الحربي، وبدأ بقصف المنازل في حي الجابريات في محاولة منه لاستعادة مدرعاته وجنوده المصابين.
بالقرب من شارع حيفا، بدأ الاحتلال يستهدف الصحافيين فأصاب الصحفي حازم ناصر بالإضافة إلى استشهاد خمسة من المقاومين، وسادسهم استشهد صباح اليوم، كما أصيب أكثر من تسعين مواطنا، بينهم ثلاثة عشر في حالة خطيرة.
ظلت الآليات المعطوبة محشورة في الزاوية، وتلك التي دخلت لإنقاذها محاصرة بأجساد المقاومين ومدافعهم بدائية الصنع، وظل الأمر قائما بين كر وفر، والكثير من الرصاص، وصواريخ الطائرات حتى ما بعد ظهر الاثنين.
وقد ذهل الاحتلال مما حدث في جنين حيث بدأت العملية عند الرابعة فجرا وانتهت عند الرابعة عصرا وقد اعترف الاحتلال بمشاركة مئات الجنود من 6 وحدات مختلفة منها غفعاتي وماجلان ودفدوفان والمستعربون والمظليون – كما تحدثت مصادر عن إصابة 8 جنود أحدهم مظلي أصيب خلال محاولات إنقاذ القوات المحاصرة، كما تضررت 7 مركبات عسكرية.
هذه المدرعة التي لا تقهر، والمخصصة لأجل اقتحامات المخيم، لقوتها وضخامتها، أصبحت قطعة حديد كبيرة ملقاة في زاوية حي الجابريات، آليات يسميها أبناء المخيم " آليات النمر" أُعطبت خمس منها، رغم أنها محصنة ضد العبوات الناسفة والرصاص، إلا أنها تحولت إلى جثة ذات جسد مخرم ملقى على الأرض.
عبوات ناسفة وزنها أربعون كيلو جراما وفقا لتقديرات الاحتلال، فجرت المدرعة وغيرت قواعد المشهد، وظل جبين جنين ناصعا ورأسها مرفوعا، كما هو منذ ولدت الضفة، والقضية والمخيم.