العدوان (الإسرائيلي) الذي نفذه الاحتلال منذ أيام في جنين ليس الأول، وما تلاه من عملية ثأر قام بها فلسطيني في تل أبيب لم تكن مشهدا غريبا، بل هو سيناريو يتكرر ما بين قتل وثأر.
منذ بداية العام الجاري وتحديدا في 19 من يناير اقتحمت قوة خاصة مخيم جنين ثم تبعتها نحو 70 آلية عسكرية، وأسفر الاقتحام عن استشهاد أدهم جبارين من قادة كتيبة جنين ومواطن آخر، بالإضافة إلى إصابة 10 آخرين.
كانت تلك بداية لسلسلة من الهجمات (الإسرائيلية) التي تركزت بين نابلس وجنين، وبين كل هجوم وآخر، ثأر فلسطيني ليضبط المعادلة ويعيد للقضية اتزانها.
في 26 يناير سقط 10 شهداء فلسطينيين في عملية كبيرة بمحيط مخيم جنين، ثم جاء الثأر، في اليوم التالي حين نفذ الشاب خيري علقم هجوما على كنيس يهودي على أطراف القدس قتل فيه سبعة (إسرائيليين).
وعلى ذات الخطى شهد السابع من مارس/آذار ارتقاء 6 شهداء وإصابة 16 آخرين في اقتحام للمنطقة الشرقية من مخيم جنين، لتتبعه المقاومة باستهداف جنديين (إسرائيليين)، وأصابتهما بشكل مباشر.
ثم وقع ثأر آخر وهو هجومٌ نفذه مهند شحادة وخالد صباح من قرية عوريف يوم العشرين من حزيران/يونيو 2023 في مستوطنة عيلي ردًا على اغتيال الجيش (الإسرائيلي) لستّة شباب فلسطينيين في مدينة جنين قبل الهجومِ بيوم واحد، وهناك هاجمَ الفلسطينيان مجموعة من المستوطنين في محطة محروقات قرب المستوطنة الواقعة على طريق نابلس – رام الله حيثُ أطلقا النيران عليهم ما تسبَّب بمقتل 4 مستوطنين وجرحِ 4 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة.
وقبل أيام شهدت جنين أكبر عملية هجوم شنها الاحتلال على المدينة منذ 2002، ولكن قبل انتهائه وصل الثأر من تل أبيب حيث قال الإسعاف (الإسرائيلي) إن 6 (إسرائيليين) أصيبوا بينهم أشخاص في حالة خطرة، في عملية دهس وطعن ظهر الثلاثاء الماضي في تل أبيب.
زياد ابحيص الباحث في شؤون القضية الفلسطينية يقول عن تجربة جنين: "كرست معركة مخيم جنين من جديد معنى الوحدة الميدانية، وهي الوحدة الفعلية التي يمكن التطلع إليها والمراهنة عليها في الحالة الفلسطينية، قطعت معركة جنين شوطاً كبيراً نحو فرض معادلة الانسحاب والتراجع الصهيوني أمام قواعد المقاومة في الضفة الغربية".
ويضيف: "أثبتت تجربة الاحتضان المتفاني من أهل المخيم وجوارهم، أن هذه الكتائب الجديدة حالة فريدة، ليست نابعة من بنية قيادية قررت إنتاجها بقدر ما هي إفراز مجتمعي من بيئة حاضنة تتطلع للمقاومة ويتحرق شبابها للفعل المقاوم الذي يثخن في العدو، وينتظر فيها الشباب دورهم لوراثة البنادق القليلة إذا ما شغرت بعد الشهادة".
عدنان صباح المحلل السياسي والكاتب الفلسطيني من جنين يصف الاحتلال بأنه غبي، لأنه من الطبيعي أن يكون هناك رد على كل هذا العنف، موضحا أن الاحتلال يعتقد أن كل الدماء دونهم أقل شأنا وعلينا أن نتقبل فكرة القتل بكل بساطة.
ويتساءل: ما الحل برأيهم إذا كانوا يغلقون الجهات الأربع أمام شبابنا لا أحلام، لا عمل، لا وطن لا حياة، ما الذي يمكنهم فعله؟!
ويرى صباح أن الاحتلال لم ينهزم في جنين فقط، وإنما في تل أبيب، وفي القدس، وفي نابلس، وفي كل مكان، وهو ينهزم كل يوم لأن من يستخدم سياسة القتل سوف يهزم، فمن الطبيعي ألا تنسى الشعوب حقها، ونحن شعب لا ننسى ثأرنا.
ويضيف صباح: "المعركة في الضفة هي معركة اللامتوقع وهذا أكثر ما يخيف الاحتلال، لا يدري من أين سيأتي الرد، ولا ممن، ولا كيف، لكنهم حتما يعلمون لماذا."
ويذكر أنهم دوما يتصرفون مع الفلسطيني بجنون معتقدين أنه الأضعف، لكن كل هذا الجيش الجرار، قاومه شبابنا على مدار 48 ساعة بإمكانيات بدائية دون نوم أو راحة"