لا ملجأ لفقراء غزة من أجل قضاء إجازتهم الصيفية سوى شاطئ البحر، فببضع شواكل يمكن لرب الأسرة أن يصطحب عائلته لقضاء يوم كامل، بعيدا عن حر الصيف وانقطاع التيار الكهربائي في البيوت.
شاطئ بحر غزة مليء بالتناقضات وكلها تدلل على إقبال الغزيين على الحياة مهما كان ألمهم من الحروب والتدمير، فهم يصنعون سعادتهم بأبسط الإمكانيات، فالشاطئ ذاته فيه منتجع فخم يتردد عليه ميسوري الحال، وبجانبه استراحات بسيطة هي منتجع أفخم بعيون الفقراء، فيصنعون الضحكات والذكريات الجميلة.
وكما أن الشاطئ للاستجمام هو أيضا مصدر رزق للكثير من الغلابا خاصة الصغار الذين ينتظرون الصيف لكسب بضع شواكل قبل انتهاء الاجازة الصيفية من أجل توفير الزي المدرسي والقرطاسية.
وحين يهم رب الأسرة لاصطحاب عائلته لا يكلف نفسه سوى بالمواصلات، فهناك يتوفر كل شيء المشروبات التي لا يتجاوز سعرها الشيكل، وكذلك التسالي والشوكولاتة و "غزل البنات" وألعاب البحر.
قرب الشاطئ يتجول مجموعة شباب وبصحبتهم كل منهم حصان أو جمل، يقفون في مكانهم يلهون مع حيواناتهم لإغراء الصغار من أجل الاقبال للركوب مدة قليلة مقابل شيكل والتقاط صورا تذكاريه.
يحكي أحمد طبيل – 26 عاما- أن جيبه ينتعش وقت الصيف، فلا عمل لديه طيلة العام، وينتظر الاجازة الصيفية ليأتي بالخيل الذي يمتلكه وقت العصر وحتى منتصف الليل، بصحبة أطفاله في أوقات كثيرة.
ويقول خلال محاولته مساعدة طفل في ركوب الخيل:" بكل صراحة يتحسن وضعي المادي وقت الصيف، فالبحر كله خير ويغنيني عن طلب المساعدة ماديا من والدي بل أنفق عليهما، فما احصل عليه يوميا يصل إلى 50 شيكل وأكثر أحيانا".
وبالقرب منه بائع المكسرات الخمسيني "أبو وائل" الذي اتخذ له مكانا على الشاطئ المقابل لمسجد الخالدي شمال قطاع غزة، منذ حوالي 6 سنوات، وبعد أن كان بائعا متجولا بصندوق صغير بات صاحب عربة تحتوي على الكثير من حلوى الأطفال والمليات والذرة المسلوقة المحببة للغزيين.
يذكر أنه يتواجد طيلة العام ولديه زبائنه، لكن يزداد الدخل أكثر في الصيف لكثرة عدد المصطافين، فهو يحاول توفير كل ما يحتاجونه على الشاطئ من تسالي، مشيرا إلى أن البحر مصدر رزقه خاصة وأن لديه ثلاثة أبناء في الجامعة يساعدونه وقت اجازاتهم دون حرج، ويعقب دوما "البحر خيره كتير ويتسع للجميع، فلا أحد يأخذ رزق غيره".
وعن أسعاره يشير إلى أنها في متناول الجميع، فيمكن أن يصنع تشكيلة مميزة لعائلة بسعر 10 شيكل أو أقل، ولم يحرج أحدا قائلا:" في بعض الأحيان أجد اثنين بالكاد وصلا إلى الشاطئ فأقدم لهما القليل من الضيافة " لازم نحس في بعض (..) وربنا يكرم الجميع".
وإلى ميناء غزة، الذي يرتاده الآلاف يوميا، هناك عالم اخر حيث يأتي المواطنون من الشمال وحتى جنوب القطاع، يجلسون أمام البحر يفضفضون حكاياتهم وأوجاعهم اليومية، وفي جهة أخرى من الميناء يعلو صوت الصغار وهم يلهون بدراجاتهم الهوائية أمام ذويهم.
وأيضا داخل الميناء هناك متسع لأصحاب البسطات والأكلات والحلويات الشعبية، فرائحة "الكبدة والطحل" و "البوظة والبراد" ذات الأسعار البسيطة والجودة الجيدة تجذب رواد المكان خاصة لو كانوا من المغتربين العائدين لقضاء اجازتهم الصيفية في قطاع غزة بعد سنوات طويلة من الغربة.
ولعل أبرز ما يميز الشاطئ هو نزول المصطافين وهم يحملون بطيخة، يدفنونها في الرمال مدة ساعة ثم يقطعونها بعد أن تكتسب برودة كما يعتقد الغزيين.
يذكر أنه وبحسب بيانات لوزارة الداخلية بغزة، يتجاوز عدد المصطفين لاسيما يومي الخميس والجمعة النصف مليون نسمة، حيث تحرص البلديات على تنظيف الشاطئ وتوفير المنقذين لاستيعاب الأعداد الكبيرة.