قائد الطوفان قائد الطوفان

الزوج الغائب بين تذمر الزوجات والواجبات الأسرية

غزة - أمل حبيب

تسابق الطفلان محمد ورغد بمجرد سماعهما لجرس الباب يدق أملا بأن يحظى كل منهما بحضن والدهما "الغائب الحاضر" قبل الخلود للنوم.

فمن أجل الحصول على لقمة العيش وتوفير الحياة الكريمة لعائلته يغيب أبو محمد طوال النهار عن البيت غارقا في دوامه كحارس بوزارة الصحة بالإضافة إلى عمله على سيارة الأجرة بعد منتصف النهار.

من الطبيعي أن يخرج رب الأسرة إلى عمله يوميا طلبا للرزق, ولكن من ناحية أخرى فإن اختفاء (الأب- الزوج)  طوال اليوم له سلبيات كثيرة.

بدورها تحاول (الرسالة) إلقاء الضوء على طبيعة عمل بعض الأزواج والتي تستدعي غياب طويل عن المنزل وكيف يؤثر على الحياة العائلية والزوجية . 

الغائب الحاضر

الصحفي هادي إبراهيم 29 عاما من مدينة رفح يعمل في مجال الإعلام منذ سبع سنوات , بين بأن طبيعة عمله تسرقه من جو الأسرة الدافئ , وخصوصا أنه يغيب عن المنزل من 11 – 15 ساعة يتنقل خلالها من عمل إلى آخر ومن تغطية إلى أخرى.

وأوضح إبراهيم بأن زوجته غير متقبلة للوضع ودائمة الشكوى من طبيعة عمله المتواصل, مضيفا: "بين الحين والآخر تحدث بيننا المشكلات بخصوص عملي المتواصل وتطلب مني تقليل عدد ساعات العمل, وخصوصا أنها حامل وتحتاج إلى رعاية وعناية خاصة".

أما الذي دفع إبراهيم للعمل في أكثر من مكان ولساعات طويلة هو حبه لما يسميها "مهنة البحث عن المتاعب", ولان لديه طموحات يريد تحقيقها أهمها الالتحاق بالدراسات العليا مرورا بتحسين وضعه المادي. 

أما عامل الطوبار أنور حمدي27 عاما من حي التفاح فرحلة عمله الشاق تبدأ قبل زقزقة العصافير وتنتهي بعد غروب الشمس, وتقول زوجته :" يأتي زوجي منهكا من العمل ,يأخذ حمامه المعتاد ثم يصلب جسده المتعب ببعض اللقيمات و يخلد للنوم , وتضيف :" أشعر بأنني لا أراه، وأطفالي يفتقدونه على مائدة الطعام".

زوجة حمدي تشعر بالمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقها في تربية الأبناء ومراجعة دروسهم وتنظيف المنزل وعندما يأتي زوجها من عمله لا تستطيع أن تطلب منه المساعدة لان التعب يكون قد اجتاح جسده النحيل, مشيرة إلى أنها تحتاج لوجوده بينهم ولكنها في نفس الوقت تعذره فعمله شاق ولسانها دائم الدعاء له :"(الله يعينو ويعطيه الصحة)" .

ومازالت طفلته دينا ابنة 5 أعوام لم تفهم جواب والدتها لسؤال يدور في ذهنها دوما :" لماذا يغيب والدي طويلا ؟ لماذا لا يأكل معنا ؟ وتبقى إجابتها واحدة :" يغيب من أجلكم" , " يغيب لتعيشوا سعداء".

الشرطي أبو علي حاله أحسن بقليل من الحالات السابقة فبعد انتهائه من عمله في قسم الشرطة يتوجه للبيت لأخذ قسط من الراحة وتناول طعام الغداء مع زوجته وأطفاله ويتبادل معهم أطراف الحديث , وبعد أذان العصر يتوجه للعمل في محله الخاص بتصليح الأدوات الكهربائية الكائن أسفل منزله , فان أراده أهل بيته في أمر ليس بالصعوبة عليه وان اشتاق له أحد أبنائه ينزلون له على الفور .

أستاذ علم النفس بجامعة الأقصى د. درداح الشاعر أكد بأن وظيفة (الأب – الزوج) في الأسرة غير مقتصرة على إحضار الطعام والشراب والمصروف ,مبينا أن وظيفته الأساسية هي تربوية ورقابية وهو مسئول عن جزء كبير من رعاية الأبناء بعد الأم باعتبارها خط الدفاع الأول.  

وقال الشاعر في حديثه (للرسالة) :" الأب الذي يفشل في تربية أطفاله وإمدادهم بمشاعر الحب والحنان والرعاية الكافية يكون قد أخفق في وظيفة الأبوة حتى ولو أتى بكل أموال الدنيا

لهم".

وأضاف: "إن غاب الوالد طوال اليوم عن البيت فستصبح الأسرة متصدعة ويحدث خلل في سلوك وأخلاق الأطفال بالإضافة إلى شعور الزوجة بالفراغ والوحدة بسبب انشغال زوجها الدائم بالعمل وعدم اهتمامه بها".

وبين الأخصائي النفسي إلى أن الزوجة باستطاعتها تكيف نفسها لغياب الزوج فترة جزئية عن البيت بسبب طبيعة عمله ولكن ليس طوال اليوم, ونوه إلى أن للام الجهد الأكبر في إشباع وتلبية حاجات الأبناء ولكن هذا لا يغني عن الدور الأساسي للأب في الإشراف والمراقبة ومتابعة السلوكيات, داعيا الزوجة لاغتنام الوقت الملائم لتشكو لزوجها طول غيابه وتشعرها بأهميته بينهم.

وعن الآثار النفسية السلبية على الأطفال نتيجة تأخر الأب في عمله أوضح أستاذ علم النفس بجامعة الأقصى أن عدم رؤية الطفل لوالده لفترة طويلة قد يسبب له مشاكل نفسية واجتماعية أهمها الشعور المستمر بالحرمان والإحساس بالنقص والخوف وقد يتعود الابن على التمرد, منبها إلى ضرورة وجود الأب في المنزل لأنه يعتبر باعثا للطمأنينة والراحة في قلوب الأبناء والزوجة .

ويوجد بعض الأزواج الذين يغيبون طوال اليوم عن العائلة بحجة العمل ولكنهم في حقيقة الأمر يهربون من المسؤولية ويتركون زوجاتهم حائرات بين شؤون المنزل وتربية الأبناء وتدريسهم وحل مشكلاتهم, واعتبر الشاعر أن انسحاب هذه الفئة من الأزواج من مواجهة المشكلات الأسرية أمرا خاطئا, مشيرا إلى وجود مشكلة نفسية لدى الشخص الهارب من الواجبات والمسؤوليات .

ودعا الأخصائي النفسي الأزواج العاملين إلى توفير جزء معين من أوقاتهم للزوجة والأولاد وعدم إحساسهم بأن العمل أهم منهم, قائلا :" الزوجة تحتاج من زوجها بأن يشعرها بأنها في دائرة اهتمامه الأولى (...) عليه أن يضع برنامجا لطبيعة عمله على أن يترك وقتا كافيا لإسعاد أسرته ومعرفة مطالبهم المعنوية والمادية".

البث المباشر