لا يختلف اثنان أن الانتخابات هي المخرج الحقيقي لإنهاء الانقسام السياسي الفلسطيني، الذي يعتبر من أكبر المصائب التي حلت على الشعب الفلسطيني، لكن للأسف أصبح هذا الخيار صعب التحقق في ظل الظروف الراهنة.
وقد أعادت دعوة الفصائل الفلسطينية إلى إجراء الانتخابات للهيئات المحلية في قطاع غزة موضوع الانقسام السياسي الفلسطيني إلى الواجهة حيث عقدت الفصائل الفلسطينية اجتماعاً بناءاً على طلب من حركة حماس لمناقشة إجراء الانتخابات للهيئات المحلية، وخرجت ببيان توافقي يدعو إلى إجراء الانتخابات، وقد استجابت الحكومة في غزة للدعوة وطالبت لجنة الانتخابات للبدء في إجراءات إنفاذ الانتخابات، حيث تعتبر هذه الاستجابة خطوة إيجابية على طريق إنهاء الانقسام السياسي ويجب البناء عليها.
رغم توقيع الفصائل الفلسطينية اتفاقيات المصالحة برعاية عدد من الدول العربية والإسلامية إلا انه لم يتم تنفيذ اي منها؛ بدءاً من اتفاقية القاهرة عام 2005، ثم تم توقيع 9 اتفاقيات في عدة دول (مصر، السعودية، قطر، تركيا، اليمن) كان آخرها توقيع اتفاقية في الجزائر في أكتوبر 2022، أضف إلى ذلك مساعي المصالحة في العديد دول العالم التي لم تخرج باتفاق، ولقاء الامناء العامين الذي عقد مرتين ولم يخرج بأي نتائج تذكر.
ما سبق يدفعنا لطرح الأسئلة التالية؛ ما هي الأسباب الحقيقية للانقسام؟، ومن هو المعيق الحقيقي للمصالحة الفلسطينية والمتسبب باستمرار الانقسام؟، والسؤال الأهم إلى متى سيستمر الانقسام السياسي الفلسطيني؟؟ سنحاول في هذا المقال الاجابة على هذه الأسئلة.
للإجابة على السؤال الأول اعتقد أنه يجب أن نعود لجذور الانقسام السياسي الفلسطيني، الذي يعود للفترة التي سبقت توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 حيث أن حركة فتح التي تقود منظمة التحرير قد بدأت بإقحام فكر سياسي جديد على الشعب الفلسطيني متمثل بالتراجع عن الكفاح المسلح واستبداله بمسار جديد يتمثل بمسار سياسي سلمي من خلال المفاوضات، وقد تعمق الانقسام بعد تشكيل السلطة الفلسطينية عام 1994 حيث بدأت بحملات اعتقال وقمع لكل من يخالف المسار الجديد الذي حاولت أن تفرضه، وقد تعمق الانقسام بشكل أكبر بعد رفض رئيس السلطة الاعتراف بالانتخابات التي جرت عام 2007 مستنداً على المواقف الدولية التي تريد الديمقراطية على مزاجها.
أما عن المعيق الحقيقي للمصالحة والمتسبب في استمرار الانقسام؛ لن أخوض كثيراً في جدلية من هو المعطل لكن هناك بعض المشاهد أحب أن أذكرها:
عدم التزام رئيس السلطة محمود عباس باستكمال خطوات تطبيق اتفاقية الشاطئ عام 2014، بعد أن قدمت حماس تنازلات واضحة وقامت بحل حكومتها المنتخبة، لتمكين حكومة الوحدة الوطنية، التي حولها عباس لحكومة تخدم أجندته والتي رفضت تحمل مسؤولياتها في قطاع غزة.
إصدار عباس مرسوم رئاسي عام 2018 بحل المجلس التشريعي المنتخب، رغم مخالفة المرسوم لكل القوانين الفلسطينية؛ التي تنص على أن المجلس التشريعي هو الكيان الوحيد الذي يحافظ على شرعيته لحين إجراء انتخابات أخرى.
تأجيل عباس الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في مايو 2021 بناءً على اتفاق اسطنبول.
رفض عباس الافراج عن المعتقلين السياسيين قبيل لقاء الامناء العامين في يوليو المنصرم، وغيرها من المشاهد، لكن باعتقادي أن المتسبب الأول في التعطيل هو العدو، حيث أن العدو كان يلوح بفرض العقوبات على السلطة كلما اقتربت من توقيع اتفاق مصالحة.
لكن إلى متى سيستمر الانقسام السياسي الفلسطيني/
في ظل تعطيل إجراء الانتخابات الفلسطينية؛ أعتقد أن المصالحة الفلسطينية لن تتم إلى بدخول متغير يعيد ترتيب الأوراق الفلسطينية وقد يكون واحد مما يلي/
تراجع حركة فتح عن مشروعها السياسي المخالف للمسار الطبيعي لحركات التحرر الوطني، أو تراجع حركة حماس عن خيار المقاومة واعترافها بشروط الرباعية الدولية.
تبني الدول العربية للقضية الفلسطينية بصورة حقيقية وإلزام الطرفين بصيغة وطنية تلبي طموح الشعب الفلسطيني، وتكون هي الداعم والضامن والمسؤول عن تنفيذها.
حدث كبير يفرض على الجميع مواجهة الاحتلال وينبذ كل من يتقاعس عن الدفاع عن القضية الفلسطينية خاصة مع تصاعد اعتداءات المتطرفين الصهاينة على المسجد الأقصى.
اعتقد أن أي مصالحة فلسطينية يجب أن تكون على أساس الثوابت الفلسطينية، وعلى أساس تسخير كل الإمكانيات لمواجهة الاحتلال بكافة الوسائل الممكنة.