الرسالة نت - ميرفت عوف
بأي حال من الأحوال لا يمكن التغاضي إعلاميا عن شكاوي الكثير من الفتيات الجامعيات في قطاع غزة، بتجرؤ بعض السائقين على ممارسة سلوكيات غير أخلاقية تأتي في إطار التحرش بالفتيات والنساء عموماً اللواتي يستقلن سيارات الأجرة وصولاً إلي أماكن العمل أو الدراسة.
فبين نزف لسان السائق بسيل من الكلام عن العلاقات العاطفية مستغلاً وجود الفتاة بمفردها في السيارة أو وجودها بالمقعد الأمامي بمنأى عن بقية الركاب، وبين ممارسة حركات لا أخلاقية لا تستطيع معها الفتاة إلا ترقب أي فرصة للتوقف عند إحدى الإشارات المرورية للهرب. ومع هذا لا بد لنا من التأكيد على أننا لا نعمم تلك السلوكيات على جميع السائقين ، فالغالبية منهم هم أهلنا وإخواننا الذين نعلم أنهم يتمتعون بمستوى رائع من الأخلاق الحميدة والسلوك القويم.
"الرسالة نت " في هذا التحقيق تفتح ملف تحرش بعض السائقين بالفتيات، وتسالهن عن أسباب الخوف من تبليغ المعنيين عن هؤلاء، كما حاولت أن تسأل المسئولين عن الدور المطلوب لحفظ كرامة الفتيات وإمكانية اتخاذ إجراءات توعية وترهيب وتخويف بحق المتحرشين...
تصرفات مشينة
بعد يوم جامعي مرهق حان موعد عودة " آلاء " إلى بيتها الكائن في حي الشيخ رضوان، حوالي الساعة من الرابعة عصراً ، وأجواء المواصلات توحي بمزيد من الإرهاق، فعليها أن تستقل سيارة من أمام الكلية الجامعية الكائنة بحي " تل الاسلام " إلى جامعة الأزهر ومن ثم تستقل أخرى لبيتها، وبالقرب من باب الكلية وجدت " آلاء" سيارة أجرة فجلست في المقعد الأمامي.
لاحظت الطالبة الجامعية عندما مدت يدها لتعطي السائق الأجرة أن ملابسه التحتية غير محكمة الإغلاق إلا أنها اعتقدت أنه خطأ عفوي لم يدركه، عندها تملكها الخجل وما كان منها إلا أن أدارت وجهها إلى النافذة وحاولت تركيز تفكيرها في شيء آخر، غير أن السائق قطع عليها ذلك باستمراره في القيام بحركات لا أخلاقية.
وتضيف: وجود 3 فتيات اخريات في المقعد الخلفي للسيارة، هون الأمر علي قليلاً، وحاولت أن ابدو متماسكة غير خائفة من تصرفات السائق الذي واصل حركاته اللا أخلاقية.
وتتابع الفتاة:" شعرت بشلل في تفكيري وحركتي لتواصل حركات السائق، حتى وقفت السيارة عند إحدى إشارات المرور، فاستجمعت قوتي وفتحت الباب ونزلت بسرعة، وأخبرت الفتيات بوجود شيء لا أخلاقي من قبل السائق"، مشيرة إلى أنه مارس فعلته بمهارة، حتى أنها تعتقد أن من بالخلف ربما لم يشعرن بما فعله من تصرفات وسلوكيات لا أخلاقية ".
وتواصل آلاء حديثها بخجل: "بمجرد نزولي من السيارة أسرعت إلى شرطي المرور وأخبرته بالفعل القذر الذي قام به السائق، ومن ثم ركبت اول سيارة وهربت إلى المنزل من شدة الاحراج" ، مؤكدة أنها لم تعلم ما حلَّ بذلك السائق الخبيث.
ومن الكلام ما كان تحرشا
القصص والروايات التي من الممكن أن تسمعها من الفتيات بالجامعات أو تلميذات المدراس كثيرة ، منها ما أعتيد على سماعه أو المرور به، ومنها ما قد يُستغرب منه، فالفتاة " روان " لها تجربة مع سائق تصرفاته اللاأخلاقية لم تنطو على فعل، بل اقتصرت على نزف سيل من الكلام الخادش للحياء في العلاقات العاطفية.
تقول روان:" عندما صعدت السيارة لأتوجه إلى الجامعة شعرت أن السائق لا يريد أن يصطحب أحداً معنا ، فلم يتوقف لمن اصطف على الطريق من الناس" ، وفعلا بدأ يتحدث وأنا أوحي له أني لا أسمع ، وعندما زاد بحديثه طلبت منه أن ينزلني فأصر وأقسم أنه سيوصلني لباب الجامعة".
وتضيف :" أخبرته أني مخطوبة لأقطع عليه أي سبيل للاستمرار في الحديث، لكنه انتقل إلى مستوى أقذر من الحديث، وراح يتطرق لما يدور من علاقات عاطفية بين الخطيبين، ويسألني عما يحدث معي ".
وتواصل الحديث وهي تتألم لتلك الحادثة :" كلما تذكرت وقاحته أواصل الدعاء عليه ، فقد شعرت بألم وخوف بسبب إصراره على مضايقتي".
بعضهم معروف لدي الفتيات
وتشير فتاة جامعية أخرى لحادثة مرت بها عندما صعدت وصديقاتها سيارة لتوصلها وزميلاتها إلى منطقة سكناهن، ولكن السائق طوال الطريق لم يكف عن الإتيان بسلوكيات غير أخلاقية .
وتشير إلى انه في احدى المرات اصرت زميلتها انزالها من السيارة بحجة إحضار غرض ما من داخل الحرم الجامعي، وتقول : هذا التصرف اقلقني لكني عندما نزلت اخبرتني بان السائق لديه طريقة خبيثة في مضايقة الفتيات".
خوف وعدم جرأة
وعلى الرغم من أن حالات التحرش المتكررة التي تتعرض لها الفتيات الجامعيات على وجه التحديد والنساء عموماً، إلا أنهن لم يستطعن التصريح للمعنيين بما يحدث لهن ويكتفين بأن يكون الحديث للصديقات دون أن يخرج إلى الأهل أو إلى أحد من المسئولين لأسباب مختلفة.
تقول إسلام :"من الصعب جداً أن أصارح أخي بتجربة مضايقة أو تحرش تعرضت لها من أحد السائقين" والسبب برأيها منع حدوث مشاكل قد تخرج عن نطاق السيطرة إذا عرف السائق، بالإضافة إلى أن الشقيق على حد تعبيرها قد يتخذ قراراً بمنعها من الذهاب إلى الجامعة واستكمال دراستها بدافع الخوف عليها وحمايتها، لذلك تفضل الصمت وأحياناً تحدث صديقاتها بما تتعرض له طلباً للنصيحة وتحذيرهن أيضاً ليحسن التصرف إذا ما وقعنَ في تلك التجربة القاسية.
وتوافقها الرأي صديقتها سماح التي تستبعد أن تكون جريئة في إبلاغ الجهات المعنية كأمن الجامعة أو الشرطة عن حادثة تحرش تعرضت لها من قبل سائق أو شخص آخر، وتقول :"لا أملك الجرأة"، مطالبة المعنيين بالحد من ظاهرة تحرش السائقين بالفتيات، متمنية في الوقت ذاته أن يسود الوعي أكثر لدى الفتيات للإقدام على إبلاغ الجهات المختصة بما يتعرضن له لاتخاذ الإجراءات القانونية والعقابية التي يستحقها المتحرشون.
وناشدت فتاة أخرى فضلت عدم ذكر اسمها، وزارة الداخلية بأن تحد من هذه الظاهرة، مؤكدة أن التصرفات التي يأتي بها بعض السائقين للتحرش بالفتيات تمس الحياء وتخدش كرامة الإنسان، لافتة إلى أن تجربتها مع تحرش السائقين مؤلمة.
وتقول: في احدى المرات ادار السائق معي حديثاً غير أخلاقي فالتزمت الصمت، لافتة إلى انه توقف عند محل لبيع الحلويات واشترى طبقين وقدم لي واحداً بإصرار فرضت بالطبع إلا أنه كان وقحاً جداً".
التحرش = عدم اتزان نفسي
تختلف الأسباب والدوافع التي تقود الشخص إلى التحرش سواء كان سائقٌ أو غيره، ويرى رئيس قسم علم النفس بجامعة الأزهر د. أسامة حمدونة أن أحد أهم أسباب التحرش هي عدم اتزان الشخص الذي يقوم بالتحرش انفعالياً، ناهيك عن معاناته من اضطرابات نفسية تؤدي إلى قيامه بتصرفات غير سوية.
وأضاف حمدونة في حديثه لـ" الرسالة "، أن ضعف وضع المرأة في المجتمع الفلسطيني مسبب آخر ، مؤكدا أن هذا الضعف الناتج عن عدم بوحهن بحقيقة تعرضهن للتحرش من قبل شخص معين، يزيد من تكرار وتجرؤ المتحرش على التحرش بالنساء في ظل عدم وجود رادع له.
وفيما يتعلق بقيام اشخاص يتوسم بهم الاخلاق بتلك التصرفات الفاسدة، عزا د. حمدونة ذلك إلى تضعضع أوضاع المجتمع وصعوبتها بشكل عام ، حيث أنها تعرض فئة من أفراد المجتمع إلى حالة من حالات الإحباط الذي بدوره يؤدي إلى قيام الإنسان بسلوكيات غير سوية، لكنه شدد على ضرورة وجود بنية ثقافية وأخلاقية ومعايير تحكم سلوك الإنسان .
أساليب للحماية
وأكد حمدونة، أنه وبرغم الحالات المتعددة للتحرش التي تعاني منها الفتيات من السائقين إلا أن أحداً منا لا يستطيع إنكار وجود فئة أخرى من السائقين المحترمين جداً أصحاب الأخلاق والدين.
وعن الأساليب التي يمكن ان تتبعها الفتاة لحماية نفسها من الوقوع في فخ التحرش الذي بات يترصد بها أينما حلت ورحلت ليس على مستوى الوطن الفلسطيني بل والعالم العربي، فاكد د. حمدونة، أن البداية تكون بالاجتهاد في تغيير مفاهيم المجتمعات عن الموضوعات والقضايا الجنسية والتي غالباً ما ينظر لها في المجتمعات العربية والإسلامية وكأنها قنبلة موقوتة ممكن انفجارها في أية لحظة، أو أنها من الأمور الشائكة والمعيبة، لافتاً أن ذلك يتم من خلال التوعية الجنسية.
ويشير إلى أن عملية التوعية من الممكن أن تكون أحد التحديات في المجتمع الفلسطيني باعتباره مجتمعاً تقليدياً، وليس من السهل عليه الخوض في قضايا التوعية الجنسية في ظل مجموعة العادات والتقاليد المتوارثة".
ويضيف :" الجهل بقضايا التوعية الجنسية تجعل الكثيرات يتعرضن لممارسات تحرش دون أن تعرف أنها نوع من أنواع التحرش"، وتابع " التوعية مطلوبة ولكن بطريقة تتلاءم مع المجتمع وثقافته وبنيته الأخلاقية، معلقاً :"أن لا حياء في الدين" ومن الواجب التنويه إلى تلك القضايا بطريقة لائقة ومقبولة .
وشدد د. حمدونة على أنه لا يمكن مناقشة قضايا التحرش والسبل لوضع حد لانتشارها دون التطرق إلى ماهيتها، مستدركا:" الناحية التوعوية تحمل جانبا وقائيا وعلاجيا في نفس الوقت.
وأوضح أن وسائل الإعلام لها دور في توعية المواطنين عبر الحديث عن القضايا الجنسية بطريقة لائقة وملائمة للبنية الثقافية والأخلاقية والدينية للمجتمع الفلسطيني باعتباره مجتمعاً مسلماً محافظاً، لافتاً أن ذلك يحد من ظاهرة التحرش.
فعل مُحرم ومسئولية مشتركة أحيانا
نائب عميد كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بغزة د. ماهر السوسي آثر أن يبدأ حديثه لـ" الرسالة " بالتأكيد على أهمية التزام المرأة المسلمة بأحكام دينها الخاصة بخروج المرأة من المنزل فهذا الحصن الأول الذي سيحميها من التحرش بشكل عام .
ويضيف السوسي:" تحميل المسئولية كلها لبعض السائقين الخارجين عن الأخلاق خطأ، فكما يوجد سائقون ملتزمون وآخوين غير ملتزمين، هناك أيضاً فتيات ونساء ملتزمات وأخريات غير ملتزمات ".
وعلل تمادي التحرش بوجود فئة من الفتيات غير الملتزمات تستجيب لتحرشات السائقين بل تسر بها وتشعر بأنها استطاعت أن تفتن الرجال وتسحرهم، داعياً إياهن إلى تقوى الله عز وجل في أنفسهن وترك معصية الله سبحانه وتعالى.
ومع هذا يقر عميد كلية الشريعة بالإسلامية، بوجود فئة من السائقين لا تحترم الملتزمة ولا غير الملتزمة ، مخاطبا اياهم بالقول : "لا يجوز للمسلم بأي شكل من الأشكال التعرض لخصوصيات الآخرين ويلتفت إلى عوراتهم بأي حال من الأحوال، فالتحرش جريمة يحرمها الشرع، يقول تعالي " إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُون"َ.
الحلول والواجبات
معالجة ظاهرة التحرش والحد منها يستوجب أن تتخذ المرأة أقصى درجات الحيطة والحذر حتى تستطيع أن تصد موجات التحرش التي تتعرض لها خاصة في ظل عدم وجود قانون وعادات وتقاليد تشجع المرأة على التوجه إلى الشرطة لكي تشكو السائق.
وهنا يدعو د. السوسي المرأة، إلى أن تتقدم بشكوى ضد المتحرش بها قائلاً :"ليس عيباً أن تتوجه المرأة إلى الشرطة وتشكو" ، مؤكداً أن سكوت النساء هو الذي أغرى السائقين للاستمرار في مثل هذه المعصية .
و يبيَّن السوسي أنه في ظل انتشار الظاهرة تبدو الحاجة ماسة إلى إقامة مشاريع التوعية لمختلف فئات المجتمع، وذلك عبر توجيه الفتيات بالتزام الآداب والأخلاق وعدم مخالفة أوامر الشرع. وفي المقابل علينا تذكير السائقين بأنهم مردودون إلى الله سبحانه وتعالى وأن ما يفعلونه معصية لله" ، ناهيك عن أن تلك التصرفات على الصعيد الاجتماعي لا تليق بالرجل العربي الأصيل المعروف بالنخوة والشهامة والمروءة.
وأضاف د. السوسي أن عملية نشر التوعية تلك تحتاج إلى حملة تشترك فيها كل الجهات المختصة بما فيها الشرطة التي تنفذ بين الحين والآخر الحملات لاستتباب الأمن والقضاء على الظواهر الاجتماعية المشينة كان آخرها حملة "هيبة الشرطي وكرامة المواطن".
وطالب وسائل الاعلام المختلفة بتوعية المواطنين بخطورة هذه الظاهرة والعمل على الحد منها، وذلك من خلال طرحها بشتى الطرق، مشيراً إلى أن ذلك من شأنه أن يردع بعض السائقين.
وتابع" لو اشتركت كافة المؤسسات الحكومية والأهلية والاعلامية، فلا شك أن حالات التحرش ستشهد تراجعاً".
اهتمام الحكومة
وبعد عرض الظاهرة بتفاصيلها المؤلمة ومناداة الأخصائيين بضرورة التوعية بأسلوب لائق ومراع للعادات والتقاليد الاجتماعية للحد من الظاهرة، توجهت " الرسالة " إلى مدير عام الشئون الفنية بوزارة المواصلات عدنان أبو عودة، الذي اكد أن القضية جديرة بالاهتمام ويمكن العمل عليها بالتعاون مع وزارة الداخلية التي من شأنها أن تقوم بإنجاح عمليات التوعية والتثقيف ولا سيما الحد من حالات التحرش من خلال معاقبة المتحرش بسحب الترخيص منه وغيرها.
وأضاف " الوزارة ستسعى لإيجاد إجراءات تحذيرية للسائق فيما يتعلق بالتحرش الجنسي بالفتيات والسيدات أثناء استقلالهن السيارة، مؤكداً في الوقت ذاته أنهم سيقومون بمراقبة سلوكيات السائقين الخارجين عن السلوكيات المجتمعية".
من جانبه، أبدى الناطق باسم الشرطة الفلسطينية، الرائد أيمن البطنيجي، استعداد الشرطة للتحقيق في أية شكوى تتقدم بها أية فتاة تتعرض لمضايقات لا أخلاقية من قبل السائقين.
ويقول البطنيجي:" الكثيرات ممن يتعرضن لتلك المضايقات يترددن في التقدم لأقرب مركز شرطة والتقدم بشكوى رسمية ضد المتحرش أو حتى إعطاء بعض صفاته أو الإدلاء باسمه، مشيراً إلى أن الشرطة طالبت وزارة المواصلات بضرورة إنجاز ورقة تعريف بكل سائق بصورته ورقم بطاقته الشخصية حتى إذا ما صدر عنه تصرف غير لائق أخلاقياً أو أدبياً تتم محاسبته".
ويضيف " وسائل الإعلام تلعب دوراً كبيراً في التوعية تجاه هذه الظاهرة"، لافتاً إلى أن العقاب للمتهم يكون وفقاً للإخلال بالآداب العامة في الطريق عن طريق التحرش.
وبعد هذا العرض الوافي لجملة الحلول المقترحة للحد من التحرش، يبقي لنا ان نشدد على الا تتردد الفتيات" ضحايا التحرش" في الابلاغ عن المتحرشين السائقين، حتى يجنبن اخواتهن وصديقاتهن الوقوع فرائس لوحوش التحرش.