قائد الطوفان قائد الطوفان

23 عاماً على هبة أكتوبر: فلسطينيو الداخل بمواجهة أخطر المراحل

الرسالة نت- غزة

تحل الذكرى الثالثة والعشرون لهبة القدس والأقصى واستشهاد 13 شاباً في الداخل الفلسطيني في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2000 في ظروف حالكة جداً، وواحدة من أخطر المراحل التي تهدد تماسك ووجود فلسطينيي 48، سياسياً واجتماعياً، وتحمل الكثير من التحديات من دون رؤية واضحة لما هو قادم، رغم مرور 23 عاماً على واحدة من المراحل المفصلية في تاريخهم، والتي لا تزال آثارها باقية حتى اليوم.

وتترافق الذكرى هذا العام مع تعزيز الاحتلال (الإسرائيلي) سياساته التي كانت سبباً في شرارة هبة القدس والأقصى عام 2000، سواء في القدس المحتلة أو الداخل أو الضفة الغربية وغزة، وهي تكتسب زخماً إضافياً في عهد الحكومة اليمينية، التي توصف بالأكثر تطرفاً منذ قيام دولة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية.

وفي حين تفجّرت الاحتجاجات في أكتوبر 2000 إثر اقتحام رئيس المعارضة (الإسرائيلية) في حينه أرييل شارون الحرم القدسي، فقد ازدادت الاقتحامات منذ ذلك الحين بشكل ملحوظ، كما استمرت عمليات تهجير المقدسيين، ما يعني أن أحد أبرز العوامل لشرارة الهبة في أكتوبر لا تزال مستمرة. ويُضاف إليها التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة والاعتداءات المتكررة على الفلسطينيين من قبل المستوطنين، ومواصلة حصار غزة، فضلاً عن استمرار تضييق (إسرائيل) على فلسطينيي الداخل في مختلف مناحي الحياة.

الأوضاع في القدس تقترب من الانفجار

وكانت الأوضاع في المسجد الأقصى وعموم القدس على شفا الانفجار في أكثر من مناسبة هذا العام، من بينها مثلاً خلال تنظيم ما يُسمى "مسيرة الأعلام" (الإسرائيلية)، في مايو/أيار الماضي، "احتفالاً" باحتلال الشطر الشرقي من المدينة عام 1967، تحت مُسمّى "توحيد القدس"، بمشاركة عدد من الوزراء، حيث شهدت القدس مواجهات تجاوزت حدود البلدة القديمة.

وفي يوليو/ تموز الماضي، اقتحم وزير الأمن المتطرف (الإسرائيلي) إيتمار بن غفير وعدد من الوزراء باحات المسجد الأقصى على رأس أكثر من ألفي مستوطن. وبلغ عدد المستوطنين الذين اقتحموا الأقصى في نفس الشهر ومارسوا طقوساً استفزازية، بحسب مركز المعلومات الفلسطينية، 6558، وهو الرقم الأعلى المسجل هذا العام. وفي أغسطس/ آب الماضي، اقتحم المسجد الأقصى 3670 مستوطناً.

ومن المؤشرات إلى ازدياد الاقتحامات للمسجد الأقصى ما رصده مركز "معطى" بتسجيل اقتحام 22456 مستوطناً للمسجد حتى مايو الماضي، مقارنة بـ20217 في الفترة الموازية من العام السابق. واستمرت الاقتحامات التي تكتسب شرعيتها من الحكومة في الأعياد اليهودية، من ضمنها "عيد العرش" خلال سبتمبر/ أيلول الماضي.

وتغذي حكومة الاحتلال الحالية الظروف التي من شأنها إشعال انتفاضة جديدة، في الضفة الغربية أيضاً، من خلال اعتداءات المستوطنين المتكررة على الفلسطينيين وقتلهم، وإحراق بيوتهم، مثل ما حدث في حوارة وبرقة وقرى نابلس والعديد من المناطق أخيراً. يضاف إلى كل ذلك العدوان (الإسرائيلي) على مخيم جنين في يوليو/ تموز الماضي، الذي أسفر عن عدد كبير من الشهداء والمصابين وتدمير المخيم.

أبارتهايد (إسرائيلي) ضد فلسطينيي الداخل

وعلى مستوى الاستيطان، أعلنت حكومة الاحتلال (الإسرائيلي)، خلال الأشهر الماضية، عن نيتها بناء آلاف الوحدات الاستيطانية. كما عُرض، في الآونة الأخيرة، مخطط لزيادة عدد المستوطنين إلى مليون في الضفة الغربية.

ويتداخل المشهد مع قضايا الداخل الفلسطيني، حيث تستمر سياسة هدم البيوت والمصادرات، وتهجير الأهالي، خاصة في منطقة النقب، بالإضافة إلى حملات الملاحقات التي تطاول الشبان الفلسطينيين، خصوصاً على خلفية هبة الكرامة في مايو/ أيار 2021، ومحاكماتهم المستمرة حتى اليوم، وإصدار أحكام عالية بحق عدد منهم.

ووسط كل ذلك، تتصدر الجريمة المشهد، مع نحو 200 قتيل منذ مطلع العام الحالي، ونحو 2000 منذ هبة القدس والأقصى في العام 2000، ما يزيد من حدة السخط على المؤسسة (الإسرائيلية) المتواطئة مع الجريمة.

ويقول مدير عام مركز "مدى الكرمل" للدراسات مهند مصطفى، إن "انتفاضة القدس والأقصى شكّلت لحظة فارقة في تاريخ الفلسطينيين في (إسرائيل)، فقد جسدت تعميق الوعي الوطني في صفوفهم، ووعيهم الذاتي والجمعي، بكونهم جزءاً من القضية الفلسطينية وحقوقهم الجماعية".

ويوضح أن هذا الأمر "برز في الخطاب السياسي الذي ساد صفوف الفلسطينيين عشية الهبة وبعدها، والذي يرى في الفلسطينيين مجموعة قومية لها حقوق جماعية يتناقض مشروعها الوطني وهويتها مع المشروع الصهيوني، وهو ما دفع (إسرائيل) إلى تنفيذ سياسات تهدف إلى ضرب المشروع الوطني للفلسطينيين في (إسرائيل)، لا سيما التجمع والحركة الإسلامية وملاحقة المسؤولين عن هذه الهبة ومحاولة أسرلة الفلسطينيين وقمع أي محاولة العمل الجماعي".

كما أدت انتفاضة الأقصى، بحسب مصطفى، إلى مساع حثيثة من (إسرائيل) "على المستوى التشريعي والسياسات، لضرب الحركة الوطنية في الداخل. فقد قامت بملاحقة التجمع والدكتور عزمي بشارة شخصياً، وملاحقة وحظر الحركة الإسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح وملاحقة الأخير، لأنها حملتهما المسؤولية عن المد النضالي في الانتفاضة، ورأت في مشروع الحقوق الجماعية، الذي تطور في وعي الفلسطينيين، خطراً على يهودية الدولة".

ويضيف أن (إسرائيل) "بدأت عملية حثيثة لتفكيك المجتمع الفلسطيني، عبر مشروع الخدمة المدنية، ودمج الفلسطينيين كأفراد في المجتمع (الإسرائيلي) من خلال توجهات اقتصادية نيوليبرالية، وتوج كل ذلك بقانون القومية".

واقع مغاير بالنسبة لفلسطينيي الداخل المحتل

وتعود الذكرى هذا العام مع واقع مغاير بالنسبة للمجتمع الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948، الذي نالت المؤسسة (الإسرائيلية) منه في مناحي كثيرة. ولكن أيضاً في ظل واقع (إسرائيلي) مختلف ينعكس بعضه من خلال الأزمة الداخلية المرتبطة بخطة التعديلات القضائية.

مجتمع غارق بدماء العنف والجريمة، مع نحو 200 قتيل عربي منذ مطلع العام الحالي، ونحو 2000 قتيل منذ العام 2000. وهذه الأرقام تقول الكثير عن دور المؤسسة (الإسرائيلية) وسياستها في تعميق جراح ومشاكل هذه الشريحة من المجتمع الفلسطيني، ليكون جل ما يبحث عنه التنقل بسلام والنوم بأمان واستجداء دولة شريكة في قتله لإنقاذه.

وترى القيادات والمؤسسات الفاعلة في الداخل ارتباطاً وثيقاً بين ما حدث عام 2000 وما آلت إليه أوضاع المجتمع العربي، الذي تغذي (إسرائيل) الجريمة فيه لكي لا يرفع رأسه في وجهها.

وتتزامن الذكرى الـ23 هذا العام مع انتخابات السلطات المحلية التي تجرى نهاية أكتوبر الحالي، والتي تتأثر أيضاً بالجريمة، فأصيب عدد من المرشحين بالرصاص، فيما فضل آخرون الانسحاب، في مشهد غير مألوف، بسبب تغلغل عصابات الإجرام التي غذتها السياسات (الإسرائيلية) على مدار سنوات مضت.

كما تتزامن مع استمرار اعتقال ومحاكمة شبان عرب على خلفية أحداث هبة الكرامة في مايو/ أيار 2021 حتى اليوم، وهي واحدة من المراحل المفصلية الأخرى في صيرورة المجتمع الفلسطيني في أراضي الـ48، بحيث حصل بعضهم على أحكام عالية بالسجن الفعلي، لفترات تتجاوز 10 سنوات. أحكام جائرة، في محاولة (إسرائيلية) لدفع فلسطينيي الداخل للتفكير ملياً قبل المشاركة في أي احتاج يدور في فلك القضية الفلسطينية.

وتكمن إحدى مآسي المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل في عدم وجود تصور مستقبلي واضح للمرحلة المقبلة، فيما تمثل لجنة المتابعة لفلسطينيي الداخل الرجل المريض، الذي يسجل مواقف وطنية ويقود بعض النشاطات والتحركات المهمة، لكنه لا يقوى على النهوض الحقيقي والمؤثر بنفسه وبالمجتمع الذي يمثله.

وبين هذا وذاك، كثيراً ما طرح المجتمع الفلسطيني قضية العصيان المدني احتجاجاً على سياسة الجريمة والعنف ومصادرة الأراضي والتهجير وهدم البيوت، وانتهاك المقدسات، ومواصلة الاعتقالات، وغيرها من الأسباب. لكن الفكرة لم تنضج، ولم تخرج إلى حيز التنفيذ، ولا يبدو أنها قريبة.

الاحتلال يخلق حالة خوف بين فلسطينيي الداخل

وترى المديرة العام لمركز الدراسات "مدار" هنيدة غانم، أن ردة الفعل (الإسرائيلية) على الاحتجاجات في البلدات العربية في أكتوبر 2000، وقتل 13 شاباً، خلقا حالة خوف بين الفلسطينيين في الداخل.

وتشير إلى أنه كان من المتوقع بعد ذلك تعزيز التنظيم السياسي في المجتمع العربي، لكنها أفرزت حالة مركّبة فيها نوع من البلبلة، فمن جهة، مثلاً، خرجت وثائق من الرؤى والتصورات المستقبلية، عن مجموعة من المؤسسات، حول علاقة المجتمع الفلسطيني في الداخل مع الدولة والقضية الفلسطينية، التي نحن جزء منها، ولكن من جهة أخرى، هناك تزايد مستمر لفكرة الاندماج الفردي.

وتوضح أن الطبقة الوسطى، التي عادة ما تحرك المجتمع، بدأت تبرز أكثر فأكثر وتندمج أكثر. وتشير إلى أن الحكومات (الإسرائيلية)، بعد العام 2000، أخذت بعين الاعتبار أنه باستثمارها في البعد الاقتصادي، وما يُسمى السلام الاقتصادي، فإنها تستطيع تفكيك المطالب القومية والجماعية المتعلقة بالهوية، ونجحت في أماكن معينة.

وتقول: ولدت لدينا حالة مركبة من الطبقة الوسطى فضّلت الحل الفردي واندمجت في المنظومة (الإسرائيلية). هذه الشريحة خلقت مشكلة لنا كمجتمع، ونرى نتيجتها اليوم. "الدولة تتعامل معنا كمصدر مستمر للتهديد وتحاول ضبطنا من خلال أسلوب العصا والجزرة"، بحيث توفّر الحل الاقتصادي، ومن جهة أخرى تقول إن أردتم التظاهر تذكروا 13 شهيداً في أكتوبر 2000، وبالتالي رسمت الحدود وحددتها بالدم، بين ما هو مسموح وممنوع.

حزب عربي في الحكومة

وتقول غانم إن القائمة العربية الموحدة، التي انضمت في عهد الحكومة (الإسرائيلية) السابقة إلى الائتلاف الحكومي بادعاء التأثير، "منحت الشرعية للطبقة الوسطى، ومن آثروا الحل الفردي والاقتصادي على التدخل في القضية الفلسطينية"، ودفع ذلك باتجاه أنه "في حين لا نستطيع تحقيق المطالب الوطنية والقومية، يمكن اختيار الحل الاقتصادي والتحلل من أي مطالب جمعية فلسطينية".

وتضيف: مجتمعنا يعيش حالة رمادية، هناك الاندماج الفردي الذي أشرنا إليه، ومن جهة أخرى هناك شرائح واعية ومدركة لما يحدث، ولديها تصور لكيفية القيام بمصالحة حقيقية وتاريخية، مبنية على عدالة ومساواة مع المواطن اليهودي (الإسرائيلي)، وليس القبول بالفوقية اليهودية.

افتقاد العمل المنظم وعدم استثمار الأزمة (الإسرائيلية)

متغيرات كثيرة دخلت على المجتمع الفلسطيني في الداخل منذ العام 2000، لكن افتقاد تصور مستقبلي جماعي واضح وموحّد للصفوف جعله لا يلائم نفسه مع المتغيرات والحفاظ على الثوابت الوطنية والسعي للمواطنة المنشودة، بل غرق أكثر في مشاكله. لكن عوامل أخرى تغيّرت في الجانب (الإسرائيلي)، آخرها الانقسامات الحادة بفعل الأزمة التي أفرزتها خطة التعديلات القضائية.

وعلى الرغم من أن الاحتجاجات (الإسرائيلية) لا تمثل المجتمع العربي، هناك من يرى أنه كان بالإمكان استثمارها، وهناك من دعا للمشاركة فيها وآخرون رفضوا الفكرة.

في هذا السياق، تقول هنيدة غانم إن "إحدى المآسي التي نعيشها اليوم أننا لم نتمكن بعد عام 2000 من تطوير عمل جماعي فلسطيني منظّم للحظة التي وصلنا إليها اليوم. المجتمع (الإسرائيلي) يتجه طيلة الوقت إلى اليمين المتطرف، أنا أسميه أقصى يمين جديد، أي يمين ديني استيطاني قومي يهيمن على المجتمع (الإسرائيلي). المسألة تجاوزت السيطرة".

وتشير إلى أنه في التظاهرات المناهضة للتعديلات القضائية في تل أبيب وغيرها، نجد أن هناك من يحاول إنقاذ (إسرائيل)، ومن أولئك الذين يعتقدون أنه يمكن أن تكون يهودية وديمقراطية.

وتضيف: نحن مع الأسف بعد عام 2000 لم نطوّر أي شيء يجاري التطورات. هناك لحظات تاريخية يمكن التعامل معها بحكمة لاختراقها من أجل إحداث تغيير معيّن. لو كانت لدينا في الداخل قيادة فلسطينية منظمة، لكان يمكن أن تحاول ربط الخطاب الموجود، بكل موضوع الاحتلال ويهودية الدولة والاستيطان وغيره. قيادتنا السياسية اليوم مقسمة وغير قادرة على التقاط اللحظة، ولا على النهوض بمشروع جديد ولا طرح أي شيء.

وتعتبر أن "السلوك السياسي في الداخل في العامين الأخيرين جريمة بحق أنفسنا، بغض النظر عن السبب. هناك مسؤولية موجودة على القيادة، وهذا ينطبق أيضاً على الضفة الغربية، فذات القصة تتكرر هنا وهناك. عند إقامة القائمة المشتركة، ظننا أنها ربما تكون لحظة إيجابية، لكن مع الأسف، بدلاً من التوحد، طاولت عدوى الانقسام الداخل، ومن ثم حصل تشرذم مخيف".

ترفع (إسرائيل) يدها عن الجرائم الجنائية في المجتمع العربي، وتعطي منظمات الإجرام مساحة للتحرك، حيث تنسحب الدولة من دورها الأساسي، ولا تتعامل مع المجتمع الفلسطيني من منطلق فكرة المواطنة، وتغمض عينيها عن تطبيق القانون، وتعتبر أن هناك الغابة التي اسمها فلسطينيو الداخل، وطالما لا تقترب الأسلحة والجريمة من اليهود، تترك العرب يقتلون بعضهم بعضاً.

جماعة تجب حمايتها وأخرى ليست مهمة

تقول غانم إن "الفكرة القائمة في (إسرائيل) أن هناك جماعة تجب حمايتها، وأخرى ليست مهمة، لمواطنين من درجات رابعة وخامسة. عندما تحوّل مجموعة، تشكّل نحو 20% من السكان، إلى مجموعة يجرى التعامل معها على أساس أن حياتها غير مهمة، فهذا معناه اتخاذ قرار سياسي بتحويل حياة هذه الشريحة إلى غابة. الجريمة في الداخل سياسية، وليست ظاهرة عنف اجتماعي. هناك حالات عنف اجتماعي لكن هناك جريمة منظمة، وهناك من منحها مساحة لكي تترعرع".

تغيّر أساليب قتل فلسطينيي الداخل

وإن كانت الشرطة في أكتوبر 2000 استخدمت الرصاص الحي والقناصة، وأطلقت النار بخلاف التعليمات الداخلية، وبشكل غير قانوني ضد المحتجين، حتى بموجب ما أشار إليه تقرير "لجنة أور" (لجنة التحقيق الرسمية) التي أقيمت بعد هبة أكتوبر، فإنها اليوم التجأت إلى أساليب جديدة لقمع الاحتجاجات المرتبطة بالقضايا الوطنية، مثل ما حدث في هبة الكرامة 2021، كما أنها تسمح بقتل العرب.

يرى مدير عام مركز "عدالة" الحقوقي المحامي حسن جبارين أنه "في 2023، الشرطة تقتلنا بطريقة أخرى، فبدل أن تستخدم إطلاق النار بشكل مباشر من طرفها، فإنها تغذي الجريمة الداخلية، ولا تقوم بواجبها تجاهها، وتعمل وفقاً لسياسة (دع العرب يقتلون بعضهم بعضاً). في الحالتين عملها غير قانوني وغير شرعي".

ويقول: "هذه سياسة الشرطة. ووفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة، لدينا 15 قتيلاً على خلفية جنائية مقابل كل 100 ألف شخص، لكن في كل الأراضي المحتلة عام 1967 حيث أبناء شعبنا، هناك قتيل واحد من كل 100 ألف شخص. عملياً نحن نشكّل أعلى نسبة في العالم، باستثناء دول أميركا اللاتينية. هذا دليل على أننا نتحدث هنا عن سياسة قتل".

ويضيف: "لذلك الفرق بين أكتوبر 2000 واليوم هو بهوية من يطلق النار، ولكن السياسة واحدة. الأمر الآخر أننا نرى أن هناك أبارتهايد في الدم. لو كان ما يحدث في المجتمع الفلسطيني حصل في المجتمع اليهودي (الإسرائيلي)، لما عاشت أي حكومة يوماً واحداً".

وحول الفرق بتعامل المؤسسة (الإسرائيلية) مع أحداث 2000 وعام 2021 التي لا زالت تبعاتها تتواصل حتى اليوم، يقول جبارين: "في هبة الكرامة، الشرطة لم تقتل متظاهرين، وإنما انصاعت لتوصيات لجنة أور التي تقول إنه ممنوع استخدام الرصاص الحي لتفريق التظاهرات، مع أنه كان عندنا شهيدان، هما محمد كيوان من أم الفحم وموسى حسونة من اللد. كيوان بسبب عنف الشرطة وليس في وضعية تظاهرات، وحسونة على يد يهود متطرفين".

ويوضح أن "الفرق عملياً أنه لأول مرة تسمح الشرطة ليهود مدنيين بأن يقوموا بأعمال عنف واستخدام القوة والسلاح ضدنا. بدل أن تستخدم هي السلاح، أحضرت المدنيين اليهود المتطرفين اليمينيين إلى اللد والرملة وحيفا وغيرها لإطلاق النار على العرب وترهيبهم. منذ أكتوبر 2000، أدوات الشرطة تتنوع، ولكن سياستها ثابتة، بأن حياة الفلسطينيين بنظرها لا تساوي شيئاً".

ويقول: "الآن هناك فكرة الحرس القومي الذي يطالب به وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وبالمقابل، تمنع الحكومة الميزانيات عن العرب. من يريد أن يحارب الجريمة الداخلية يزيد الميزانيات لمكافحة الوضع الاقتصادي السيئ، الذي يعتبر من عوامل الجريمة، لكنها هذا العام أوقفت الميزانيات لشل السلطات المحلية، ولذلك تتبع كل السياسات لتغذية العنف بيننا. نحن الآن أمام أصعب حكومة متطرفة نواجهها".

التوجه إلى مؤسسات دولية

تعود ذكرى هبة القدس والأقصى هذا العام أيضاً بالتزامن مع التشريعات القضائية التي تقودها الحكومة (الإسرائيلية)، ما قد يزيد تعميق معاناة المجتمع الفلسطيني بسبب تقييد جهاز المحاكم، وإن كان لا يعول كثيراً على "عدالة" المحاكم (الإسرائيلية) المنحازة، وقد يتوجه أكثر للمؤسسات الدولية.

يقول جبارين في هذا السياق: "نحن سنكون الضحية الأولى للوضع السياسي (الإسرائيلي) والتشريعات القضائية، لأننا الحلقة الأضعف. نحن في (مركز) عدالة منذ نحو 20 عاماً نعمل أمام لجان حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ولنا مكانة، ونستطيع أن نحصل من خلالها على أوراق ومعلومات من الأمم المتحدة".

ويضيف: "أهم خطوة كانت من طرف قيادتنا السياسية، خلال أيام هبة مايو، أنه لأول مرة اتخذت لجنة المتابعة قراراً لطلب تدخل دولي، وفعلاً قدّمت طلباً، ونتيجة لهذا الطلب، أقيمت لجنة تقصي الحقائق في الأمم المتحدة، ولأول مرة شملت تفويضاً لمسألة التحقيق بشأن الفلسطينيين في الداخل".

ويشير إلى أن "هذه اللجان تحقق بقضايا الفلسطينيين تحت الاحتلال عام 1967، والآن توسعّ تفويضها لتُحقق بقضايا الفلسطينيين تحت الاحتلال في مناطق 48، وهذا شيء جديد. هل هذا التدخل سيؤثر بمفهوم التأثير المباشر؟ صعب جداً، ولكن أنا أرى أنه سيكون له تأثير على السياسة (الإسرائيلية) وفضحها وتشكيل ضغط. والأهم أن المجتمع الدولي لا ينظر إلينا اليوم كمسألة داخلية تخص السيادة (الإسرائيلية). ولكن طبعاً نحن بحاجة لتطوير هذه الأدوات وتكثيفها".

المساءلة حول مسؤولية القتل صفر

ويعزز أهمية توجه المجتمع الفلسطيني إلى المؤسسات الدولية ما أفضت إليه الأمور في التجارب السابقة، على رأسها انتفاضة أكتوبر 2000.

وخاض مركز "عدالة" على مدار سنوات عملاً مع ذوي الشهداء والقيادة السياسية للمجتمع العربي أمام لجنة التحقيق الرسمية (أور) بعد أحداث 2000، وحققوا إنجازات، من بينها تقرير من نحو 800 صفحة اتهم الشرطة بالقتل، وطلب فتح تحقيق جنائي بشأن استخدام القناصة والقتل. لكن المستشار القضائي للحكومة ميني مزوز، في حينه، أغلق الملفات، وحتى لم يفتح أي تحقيق.

ويقول جبارين: "عملياً المساءلة كانت صفرا، واليوم أيضاً هي صفر. لا توجد مساءلة حول المسؤولية في القتل في مجتمعنا. حوّلوا الإجرام السياسي إلى قضية بيروقراطية، هل توجد أدوات للشرطة أم لا؟ وهل يجب استخدام أدوات الشاباك أم لا؟ القضية ليست بيروقراطية، لكنها سياسية".

ويضيف: "دعوا العرب يقتلون بعضهم. هذه السياسة العامة كانت موجودة في جميع الدول التي رأت في الديمغرافيا إشكالية جدية. وهي دول استعمارية استيطانية، مثل أميركا، ونيوزيلندا، وأستراليا وكندا، حيث استخدم البيض هذه السياسة ضد السكان الأصليين. هذه السياسة لا تهدف فقط إلى تفكيك مجتمعنا وتدميره، وإنما أيضاً لنشر الخوف بيننا وتهجيرنا. هذا من الفروقات بين أكتوبر 2000 واليوم".

العربي الجديد

البث المباشر