لقد كان أمرا مخططا له، ذلك الذي كنا نعتقد أنه حلم بالأمس، وحققته المقاومة الفلسطينية، كان أمرا متوقعا، فكل هذا الضغط على أكتاف هذه الأرض، من القدس لجنين لنابلس والخليل وكل شبر ظنت العنجهية (الإسرائيلية) أنها تمتلكه، كان يقول لغزة، هيا انفجري.
وكان انفجارا، أدهش الدنيا، فعلى تحقيق الحلم استيقظت غزة صباح هذا اليوم، مع أصوات إقامة صلاة الفجر، كانت صواريخ المقاومة تقذف تدريجيا، ثم يتصاعد الصوت، ونحن ندور حول انفسنا، ما الذي يحدث في هذه الساعة، يتساءل الجميع عبر شبكات التواصل.
ثم تنتشر الأخبار، والإشاعات، عن عمليات اغتيالات، ولا تمضي خمس دقائق حتى تعلن المقاومة عن انزال خلف خطوط العدو، أجل، هكذا مباغتة يقتحم عشرات المقاومين السياج الأمني من عدة محاور، ويجتاح أبناءنا مستوطنات ومواقع عسكرية فيما تعرف بـ( مستوطنات غلاف غزة) .
بلمح البصر يقلب المقاومون معايير القضية ويكتبون سطرا في التاريخ لن ينسى، جنودنا وصولوا إلى مستعمرة اسديروت، في غطاء من صواريخ المقاومة، في لحظة كان الاحتلال يحتفل فيها بآخر أيام ما يطلق عليه ( عيد العرش) والتي قضاها اقتحاما وتنكيلا بأهالي الأقصى ومرابطيه.
دخل المقاومون دخول الواثق من نفسه، واختبأ الأعداء في جحورهم، ومن بقي منهم على حدود الأرض التي خطا المتآمرون اشتبكوا مع شباب المقاومة المسلحين بالمئات وهم يكبرون ويبتهلون في يوم بدا وكأن وصفه بالعيد لا يكفيه، يوم يحسبه أهالي قطاع غزة الفرحين من أيام الله، يوم يوفى فيه الصابرون أجرهم.
وما قبل السابعة صباحا، أعلنت المقاومة عن عمليتها العسكرية الواسعة ضد ما يسميه هذا العالم (إسرائيل) شملت إطلاق آلاف الصواريخ وتسلل واقتحام مستوطنات وقتل وأسر عشرات الإسرائيليين.
ثم اكتملت فرحة الغزيين بصوت القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف الذي أعلن عن فرحة جديدة تبدأ مع بدء عملية (طوفان الأقصى) ضد الاحتلال، وإطلاق آلاف الصواريخ باتجاهها، وقال الضيف في رسالته الصوتية، إن الضربة الأولى من العملية تجاوزت 5 آلاف صاروخ وقذيفة استهدفت إسرائيل.
انزال بالمظلات، هجوم بري لأصحاب الأرض على محتل لا يعرف خريطتها الحقيقية، هجوم بحري، قذائف صاروخية لا تريد أن تلتزم الصمت، أسرى من سديروت، ثم أسرى وأسرى، إلى ما لا نهاية، حتى وصل أسرى العدو في أيدي المقاومة الفلسطينية إلى أكثر من خمسين أسيرا.
وظلت صفارات الإنذار تدوي في كل بقعة، واختبأ الفئران في جحورهم في القدس وتل أبيب، وما يحيطهما من مستوطنات، قبل أن يعلن المتحدث العسكري (الإسرائيلي) تفعيل القبة الحديدية وإطلاق صفارات الإنذار، في حين أعلن جيش الاحتلال "التأهب لحالة الحرب بعد تسلل فلسطينيين إلى قلب إسرائيل".
انتصف النهار دون أن يستوعب عقل هذا العالم ما الذي يحدث، ولا زالت الأيدي على القلوب تنتظر الرد، وتركض منتشية من فرحة لم تكن تتوقع سيناريوهاتها حتى في الأحلام، وقد وصل عدد الإصابات لدى الاحتلال إلى خمسمائة، نصفهم في حالة الخطر، بالإضافة إلى أربعة وأربعين قتيلا.
وبعد أن أفاقت حكومة الاحتلال من غيبوبتها على حلمنا وكابوسها، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -في كلمة مصورة- "نحن في حالة حرب" ثم أعلن عن اطلاق ما أسماها حملة السيوف الحديدة على قطاع غزة.
الصورة لم تكتمل بعد، في أول أيام حرب جديدة ، والمقاومة دفعت ثمنا من أرواح مجاهديها ولكنها اغتمنت ما لم يخطر على قلب بشر، وأول غنائمها هو وصول الاحتلال إلى عنق الزجاجة، وتخبطه في عمليات قتل عشوائية لن تغير من موقعه شيء، فمن سيخرجه الآن من هذا المشهد؟!