الدوحة – الرسالة نت
مثلت عودة الدكتور يوسف القرضاوي لمصر ما يشبه الانتصار الذي يضاف للانتصارات التي حققتها ثورة 25يناير، حيث كان الفقيه والعالم البارز ممنوعا من الخطابة والإمامة في مصر منذ 30 عاماً وبعد كل تلك الفترة أمّ القرضاوي ملايين المصلين في صلاة الجمعة الماضية 18 فبراير بميدان التحرير بقلب العاصمة القاهرة، وهي مركز ثورة الشعب ضد نظامه رئيسه السابق .
وكانت آخر خطبة لصلاة جامعة ألقاها القرضاوي المقيم حاليا في قطر ويحمل جنسيتها، قبل اعتقالات سبتمبر/أيلول 1981، وهي خطبة عيد الأضحى في ميدان عابدين بالقرب من القصر الرئاسي.
ويعتبر القرضاوى من المفكرين الإسلاميين القلائل، الذين يجمعون بين محكمات الشرع ومقتضيات العصر، ومن أبرز دعاة الوسطية الإسلامية التي تجمع بين السلفية والتجديد. وتمزج بين الفكر والحركة، وتركز على فقه السنن، وفقه المقاصد، وفقه الأولويات، وتوازن بين ثوابت الإسلام ومتغّيرات العصر، وتتمسك بكل قديم نافع، كما ترحب بكل جديد صالح تستلهم الماضي، وتعايش الحاضر، وتستشرف المستقبل.
عمل القرضاوي بالدعوة منذ فجر شبابه، وشارك في الحركة الإسلامية، وأوذي في سبيلها بالاعتقال عدة مرات، في عهد الملكية وعهد الثورة ..وتنوع عطاؤه بتنوع مواهبه، فهو خطيب مؤثر، يقنع العقل ويهز القلب ، وفقيه تميّز بالرسوخ والاعتدال، وعالم متمكن في شتى العلوم الإسلامية
لم يعرف عنه يوما الولاء للحكام فقد كابد ظلمهم سجنا وتهجيرا، بل وصل الأمر به إلى انتقاد دولة قطر وحكامها على الرغم من وجوده بها، واستمر الشيخ على مدار تاريخه صوت الأمة المدافع عن عقائدها وظلم أهلها والشادّ بأزر قوى المقاومة حيثما كانت، وهو ما يفسر استهدافه المتواصل من طرف كل القوى المعادية للأمة ودينها.
ويرى القرضاوي أن الأمة تحتاج في مرحلتها المقبلة إلي الإصلاح والتغيير قائلاً: "توفير الحرية عندي مقدم علي تطبيق الشريعة الإسلامية، ففي مناخ الحرية وظلها نضع الإيمان ونضع الإنسان وفي ظلال الإنسان نضع النهضة".
وأضاف:" لا نستطيع تطبيق الشريعة إلا في مناخ من الحرية، لا نريد أن يساق الناس بالعصا، نُريد الناس أن يدرسوا الإسلام عن بصيرة واقتناع، ونُريد الإسلام التجديدي ونجمع بين الأصالة والمعاصرة أو السلفية والتجديد".
ويعبر الشيخ القرضاوي عن ضمير الأمة الحي في التفاعل واتخاذ المواقف المناسبة في كل القضايا التي تتعرض لها الأمة الإسلامية، من خلال جهاده المستمر طوال أكثر من نصف قرن لتقديم الإسلام على حقيقته الناصعة وبمنهجيته الوسطية التي تلتقي فيها كل التيارات الإسلامية التي جمعها القرضاوي في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
يعتمد العلامة يوسف القرضاوي علي توظيف علمه الغزير ليتوائم مع طبيعة المرحلة التي نعيشها ، فالفتوى عنده تتغير بتغير المكان والزمان والعرف والحال، وكذلك الدعوة تتغير بتغير هذه الأشياء.
ودعا الفقيه القرضاوي الدعاة إلى أن يراعوا ظروف الدعوة وأن يتسلحوا له، ونصحهم بالدعوة إلى الإسلام بأسلوب العصر، مشيرا إلى أن أهل القرن الحادي والعشرين يجب أن يكون هناك خطاب دعوي لهم.
مولده ونشأته
ولد الشيخ الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي في مصر بتاريخ 9 سبتمبر / ايلول 1926م ، حفظ القرآن الكريم وجوّده وهو دون العاشرة، أتم تعليمه في الأزهر الشريف. حصل على الشهادة العالية من كلية أصول الدين عام 1953م، وعلى إجازة التدريس عام 1954م، وكان ترتيبه الأول في كليتيهما، وفي سنة 1960م حصل على الدراسة التمهيدية العليا المعادلة للماجستير في شعبة علوم القرآن والسنة من كلية أصول الدين. ، كما حصل على الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى عام 1973م .
مات والده وعمره عامان فتولى عمّه تربيته. تعرض يوسف القرضاوي للسجن عدة مرات لانتمائه إلى الإخوان المسلمين. دخل السجن أول مرة عام 1949في العهد الملكي ثم اعتقل ثلاث مرات في عهد الرئيس المصري جمال عبدالناصر في يناير سنة 1954م، ثم في نوفمبر من نفس السنة حيث استمر اعتقاله نحو عشرين شهراً، ثم في سنة 1963م.. وفي سنة 1961، سافر القرضاوي إلى دولة قطر وعمل فيها مديراً للمعهد الديني الثانوي، وبعد استقراره هناك حصل القرضاوي على الجنسية القطرية ،وفي سنة 1977 تولى تأسيس وعمادة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر وظل عميداً لها إلى نهاية 1990، كما أصبح مديراً لمركز بحوث السنة والسيرة النبوية بجامعة قطر ولايزال قائماً بإدارته إلى يومنا هذا.
تزوج القرضاوي من امرأتين الأولى مصرية اسمها إسعاد عبد الجواد "أم محمد" في ديسمبر 1958م وأنجب منها أربع بنات، وثلاثة ذكور(إلهام وسهام وعلا وأسماء) (محمد وعبد الرحمن وأسامة) والثانية جزائرية اسمها "أسماء" التقى بها في أواسط الثمانينيات حين كانت طالبة في جامعة جزائرية، والتي عملت كمنتجة تلفزيونية في برنامج "للنساء فقط" والذي كانت تبثه قناة الجزيرة القطرية.