كان يرجوها أن يأخذها إلى مكان آخر؛ الأم مقعدة والظروف في مركز الإيواء لا تتناسب مع وضعها.
عزة نفسها تمنعها من الذهاب إلى منزل قريب مجاور فهي لا تريد أن تثقل على أحد؛ لا تقبل؛ ثم تنام الأم وينام ابنها إلى جانبها.
في زاوية آخرى تتجمع عائلات جاءت نازحة من المنطقة الشرقية لخان يونس؛ عائلات من خزاعة عبسان وبني سهيلا.
جاءت من البيت الواسع والأرض الخضراء الرحبة لضيق الصف الذي لا يتسع كل تلك الأقدام ولا الأحلام ولا حتى أنفاس الراقدين ليلا.
قال أحدهم: دمروا بيتي وبيت شقيقي، معنا أطفال ونحن عائلة مكونة من أربعين فردا نجلس في صف واحد؛ وعند النوم يخرج الرجال لقضاء ليلتهم في الساحة.
ولكن ذلك لم يمنع العائلات من استقبال المزيد من النازحين ومشاركتهم فراشهم؛ ستذهب للتسجيل لدى المدير المسؤول ثم سيعطيك زاوية في أحد الصفوف المتكدسة أو ستجلس مع عائلتك في ساحة المدرسة.
هنا طلاب كانوا قبل أسبوعين يتحضرون في مثل هذه الساعة من الليل إلى الذهاب إلى النوم مبكرا لاستقبال يوم دراسي جديد؛ فتغيرت أقدارهم في الليلة التالية بعد أن تحولت بيوتهم إلى ركام وزحفوا إلى مدارس وكالة الغوث.
وبعدها بأيام اختلطت أقدام النازحين بنازحين جدد جاؤوا من غزة، بعد أن هددهم الاحتلال بالنزوح من شمال القطاع إلى جنوبه، فنزحت مئات العائلات إلى المدارس في الجنوب.
أحد الجالسين على درجات المدرسة أعرب عن ندمه، ولكنه برر نزوحه بالخوف الذي تحكم به في لحظة وهرب بأرواح أطفاله، وحينما تأكد أن الموت في كل مكان شعر بالندم.
"لا طريق آمن للعودة إلى غزة؛ وأنا لا أعرف ما الذي حدث بالحي وهل إذا عدت سأجد ماء على الأقل؟".
سيدة أخرى تداري وجهها وهي ترجو ابنتها أن تدخل لقضاء حاجتها في الحمام المشترك بعد وقوفهما لساعة في طابور طويل.
وليلا..استمرت الطائرات بإلقاء حمم حقدها، فقد قصفت طائرات الاحتلال الحربية، مساء الأربعاء، مدرسة تابعة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا”، في المحافظة الوسطى بقطاع غزة، وأدى القصف الإسرائيلي لارتقاء تسعة شهداء والكثير من الجرحى.