قائد الطوفان قائد الطوفان

"تفاصيل أليمة"

بعد انسحاب الاحتلال من "مشفى الشفاء" .. مواطنون يبحثون عن ذويهم دون أن يجدوا لهم أي أثر

photo_2024-04-03_11-29-35.jpg
photo_2024-04-03_11-29-35.jpg

غزة/ هداية محمد التتر

عندما تكشف الصباح في يوم الإثنين 2/ نيسان الجاري، استيقظ الغزيون على انسحاب جيش الاحتلال الصهيوني من مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة، بعد 15 يومًا من الاقتحام والحصار وارتكاب المجازر "الوحشية" بحق النازحين والمرضى والكوادر الطبية هناك، حيث عثر الأهالي على مئات من جثث الشهداء في ساحات المجمع الطبي ومحيطه، إلى جانب دفن العشرات منهم وهم أحياء، وفق شهادات من كانوا محاصرين في المشفى.

مع شروق الشمس، توجهت مراسلة "الرسالة نت" إلى هناك وكان أمامها جموع من النساء والفتيات يسرن بقلوب مرتجفة على مصير من بقي لهن في المشفى.

وفي طوابق المباني المدمرة والغرف الطبية المحترقة، يسير المواطنون بحذر خوفًا من سقوط أي شيء عليهم، بعضهم يبحث عن إخوانه وذويه ممن كانوا نازحين في المكان أو مرافقين للمصابين، وآخرون يبحثون عن أغراضهم وحاجياتهم التي أجبرهم الاحتلال على تركها في مكانها وعدم أخذها معهم.

اتصال ومواساة

في الطابق العلوي لمبنى الإسعاف والطوارئ يقف شريف محمد حائرًا في غرفة محترقة متحدثًا لأحدهم على هاتف الجوال: "لا أثر لأي شيء هنا، سوى قطعة قماش للحطة التي كان يلفها على رقبته، نستعين بالله وندعوه أن يجبر خاطرنا بفرحة يعجب منها أهل الأرض".

ويقول لـ "الرسالة نت": "أحاول طمأنة زوجة أخي والذي فقدنا أثره والاتصال به في اليوم الأول لاقتحام المشفى، والذي كان برفقة أحد أصدقائه المصاب من الاحتلال الصهيوني".

photo_2024-04-03_11-29-52.jpg

ومن محيط مبنى الولادة، التقينا بأماني مصطفى والتي كان الجهد والتعب بادٍ عليها جراء البحث عن أخويها اللذين تركتهم بعد أيام من الحصار داخل المبنى، وقالت: "منذ الصباح وأنا أبحث عنهم في الغرف والمباني ولكن دون جدوى".

البحث بين الجثامين

ويتنقل إياد خليل في مبنى الجراحات التخصصي، بعيون دامعة من غرفة إلى أخرى وينادي بلهفة على أبناءه عله يسمع لأحد منهم صوته، مردفًا: "أصيب ابني صلاح في بداية الحرب بكسور في اليد والحوض وتم إجراء عملية جراحية لجبر الكسور وزراعة بلاتين داخلي وخارجي، ونظرا للوضع الذي نعيشه من سوء للتغذية وعدم توفر ما يسد الرمق لم يلتئم العظم بل زاد تفتتا، وبقي يرقد في سرير المستشفى حتى اقتحم الاحتلال المكان ولم يقو على الخروج ورفض شقيقه تركه وجئت على أمل أن أحدهما في المكان ولكن لا أثر لهما".

photo_2024-04-03_11-30-02.jpg

وعند بوابة المشفى تجلس الحاجة أم صالح ويدها على رأسها من هول ما حدث لها، تحكي لـ "الرسالة نت": "جئت فجر اليوم كي أطمئن على أقاربي النازحين والمرضى في مشفى الشفاء والذين انقطع الاتصال بهم منذ اللحظة الأولى لاقتحام المستشفى، وإلى الآن لم نجد أي منهم".

وأوضحت أم صالح أنها تحاول البحث عنهم بين جثامين الشهداء المنتشرة في المكان "لكن دون جدوى، فبعضها قد تحللت ولا يمكن التعرف عليها"، متساءلة: "أين الضمائر الحية ومؤسسات حقوق الإنسان لترى ما حل بنا؟".

استخراج مستلزمات العيش

وعلى بعد أمتار من المشفى تجلس أم محمد السرحي ويحيط بها أكياس من الملابس ومستلزمات العيش، "أخرجناها من بين ركام مبنى الجراحات التخصصي، الذي كنا نازحين فيه هربًا من ويلات الحرب الواقعة علينا ظلما وعدوانا".

وأضافت أم محمد: "كنا بمستشفى الشفاء محاصرين لمدة ثلاثة أيام في عذاب وشعرنا وكأن الموت يقترب منا، حتى أخرجوا الشباب وتبعناهم نحن النساء".

وبعيون باكية واصلت حديثها:"اعتقلوا اثنين من أبنائي ولم نعلم عنهم اي شئ إلى الآن".

بعد 15 يومًا، انسحب جيش الاحتلال من مجمع الشفاء الطبي والمناطق المحيطة به واتجهت قواته جنوبًا، وذلك بعد نحو أسبوعين من الحصار والقتل والتدمير الذي ارتكبه الاحتلال، وكشف انسحاب الاحتلال من الشفاء عن مئات جثث الشهداء بالشوارع، ومنازل مفحمة ودمار هائل.

وأوضحت مصادر طبية، أن الجيش دمر طوابق بشكل كامل في مبنى الجراحات التخصصية، وأحرق بقية المبنى فيما أحرق مبنى الاستقبال والطوارئ الرئيسي، ودمر عشرات من غرفه وجميع الأجهزة الطبية فيه، كذلك أحرق مباني الكلى والولادة وثلاجات دفن الموتى والسرطان والحروق، ودمر مبنى العيادات الخارجية.

وتم العثور على عشرات الشهداء في مجمع الشفاء الطبي وفي شوارع عمر المختار وعز الدين القسام وأبو حصيرة وبكر وحبوش وجميعها محيطة بالمستشفى. كما ودمر الجيش المقبرة المؤقتة التي كان قد أقامها المواطنون في مجمع الشفاء الطبي وأخرج جثامين الشهداء والموتى منها وألقاهم في مناطق متفرقة بالمستشفى.

وذكر الشهود، أن قوات الاحتلال أحرقت أو دمرت العديد من المنازل والبنايات السكنية في محيط مجمع الشفاء الطبي والتي تضم الآلاف من الوحدات السكنية.

وهذه المرة الثانية التي تقتحم فيها قوات الاحتلال المستشفى منذ بداية العداون على قطاع غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إذ اقتحمته في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بعد حصاره لمدة أسبوع جرى خلالها تدمير ساحاته وأجزاء من مبانيه ومعدات طبية ومولد الكهرباء.

البث المباشر