قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، يوم الأحد، إنّه يتابع بقلق الحديث المتواتر عن حملات ضغط سياسي أطلقتها "إسرائيل" وحلفاء لها، بهدف منع إصدار المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أوامر إلقاء قبض على قيادات أمنية وسياسية إسرائيلية رفيعة المستوى على خلفية الجرائم التي ترتكبها ضد الشعب الفلسطيني على الأرض الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة لعام 1967.
وحذّر الأورومتوسطي, في بيانٍ صحفي، من أي محاولات لتقويض عمل المحكمة الجنائية الدولية والمس بنزاهتها واستقلاليتها، والسعي إلى إعلاء المصالح السياسية على اعتبارات تحقيق العدالة الدولية، والتدخل لصالح الجاني على حساب الضحية.
وأبدى استهجانه لشن مسئولين إسرائيليين حملات تشويه وتحريض ضد المحكمة الدولية لردعها في اتخاذ إجراءات ضدهم.
ويشير المرصد إلى أنّ المعلومات حول احتمال إصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر إلقاء قبض ضد مسؤولين إسرائيليين متهمين بارتكاب جرائم ضد فلسطينيين، أثارت ردود فعل مختلفة وتساؤلات جدية حول قدرة المحكمة في المضي قدما في إصدار هذه الأوامر والبدء في محاكمة ومعاقبة هؤلاء المتهمين، من دون خضوعها للضغوطات السياسية الخارجية الهادفة إلى تقويض عملها وعرقلة إجراءاتها في هذا السياق.
وتهدد أوامر القبض كبار المسئولين الإسرائيليين بما في ذلك رئيس وزراء الاحتلال "بنيامين نتنياهو"، ووزير الجيش الإسرائيلي "يوآف غالانت"، ورئيس الأركان العامة "هرتسي هاليفي"، وذلك لوجود أسباب معقولة لدى المحكمة للاعتقاد بأن هؤلاء المسؤولين ارتكبوا جرائم تقع ضمن اختصاصها ضد فلسطينيين على الأرض الفلسطينية المحتلة لعام 1967، ابتداء من تاريخ 13 حزيران/يونيو 2014، وهو التاريخ الذي حدده طلب الإحالة المقدم من دولة فلسطين إلى المحكمة وقبول اختصاصها على الجرائم التي تم ارتكابها على هذه الأراضي منذ ذلك الحين.
وأوردت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية أن حكومة الاحتلال تدرس بقلق احتمال إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وكبار المسئولين في الدولة بما في ذلك بحق قيادات أمنية وسياسية إسرائيلية رفيعة المستوى.
وعمد "نتنياهو" قبل أيام إلى إطلاق تصريحات مناهضة للمحكمة الجنائية الدولية وتأكيد أنها لن تؤثر على استمرار الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة قائلاً: "لن نقبل بأي محاولة من جانب المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لتقويض حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن حكومة الاحتلال تجري مشاورات ولقاءات واتصالات سرية مع عدد من حلفائها من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا، للتدخل فورًا ومحاولة التأثير على عمل المحكمة الجنائية الدوليةفي ملف الحالة في فلسطين وعرقلة قيامها بإصدار أوامر إلقاء القبض.
وبموازاة ذلك, لفت المرصد إلى أنّ الولايات المتحدة الأمريكيةبدأت بالفعل في المشاركة في المحاولات الحاصلة لمنع المحكمة من إصدار هذه الأوامر. وكان المتحدث باسم مجلس النواب للولايات المتحدة الأمريكية "مايك جونسون" دعا عبر حسابه الرسمي على منصة X، قبل يومين، المحكمة الجنائية الدولية إلى التراجع فورًا، في إشارة إلى ما يتم تداوله حول الخطوات القادمة التي قد تتخذها المحكمة ضد "إسرائيل".
ويشدد المرصد الأورومتوسطي على أهمية قيام المحكمة الجنائية الدولية بتحريك تحقيقاتها في ملف الحالة في فلسطين واتخاذ الإجراءات القضائية التي طال انتظارها وإصدار أوامر إلقاء قبض على المسؤولين الإسرائيليين المتورطين بارتكاب الجرائم ضد الفلسطينيين ومحاكمتهم ومحاسبتهم، باعتبارها خطوة أولى باتجاه تحقيق العدالة الدولية للشعب الفلسطيني، وتعويضا جزئيًا عن الظلم التاريخي الذي لا يزال يعانى منه، وإنصافا لبعض من ضحاياه، وإنهاء حالة الإفلات من العقاب الفعلية التي طالما تمتعت بها "إسرائيل"، وإخضاعها لمنظومة القانون الدولي، وخلق حالة من الضغط والتأثير الرادع عليها لمنع ارتكاب المزيد من الجرائم ضد الفلسطينيين في أقرب وقت ممكن.
ودعا الأورومتوسطي المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان إلى اتخاذ القرارات والإجراءات القانونية وفقا لنظام روما الأساسي والقواعد الإجرائية وقواعد الإثبات الخاصة بالمحكمة على أسرع وجه ممكن لغايات المساءلة من أجل الـضحايا وحرصًا على السلام والعدل في المنطقة والعالم، ولتفعيل دور المحكمة باعتبارها الجهة القضائية الدولية المختصة والمسؤولة بالدرجة الأولى عن مساءلة ومحاسبة الأفراد جنائيًا ومدنيًا على ما اقترفوه من جرائم خطيرة تمس الإنسانية بأكملها وتهدد السلم والأمن الدوليين، ولإحياء دورها في تحقيق العدالة الجنائية بغض النظر عن هوية الجاني والمجنى عليه، والذي أنشأت من أجله.
وطالب الأورومتوسطي المجتمع الدولي بكافة مكوناته إلى العمل على دعم عمل المحكمة في اتجاه إقامة العدالة، باعتباره أقل ما يمكنه فعله، وبخاصة في ظل فشله المستمرفي تنفيذ التزاماته الدولية في منع ووقف الجرائم الخطيرة والانتهاكات الجسيمة التي ترتكب ضد الشعب الفلسطيني، بما في ذلك جرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجريمة الإبادة الجماعية، بل وقيام بعض الدول بالتواطؤ والاشتراك مع "إسرائيل" في الحفاظ على الوضع غير القانوني للاحتلال العسكري المستمر لفلسطين وفي ارتكاب الجرائم الخطيرة ضد الشعب الفلسطيني، بما في ذلك الإبادة الجماعية من خلال تقديم مختلف أشكال الدعم والمساعدة العسكرية والسياسية والمالية والإعلامية إلى الكيان المحتل.
ويؤكد الأورومتوسطي أنّ على جميع الدول تنفيذ التزاماتها القانونية والأخلاقية والامتثال لطلبات إلقاء القبض والتسليم في حال صدورها، والتعاون لغايات القبض على المتهمين الإسرائيليين الذين تصدر بحقهم هذه الأوامر، والحيلولة دون فرارهم، والعمل على تسليمهم دون تأخير إلى المحكمة الجنائية الدولية وفقًا للإجراءات والقواعد الدولية ذات الصلة.
وحثّ على قيام الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف لعام 1949 بتنفيذ التزاماتها بموجب هذه الاتفاقيات، بما في ذلك البدء بإجراء التحقيقات الجنائيـة في محاكمها الوطنية، استنادا للولاية القضائية العالمية، والقيام بإلقاء القبض على مرتكبي هذه الانتهاكات ومقاضاتهم وفقاً للقواعد الدولية ذات الصلة.