أن تكوني أمَّا في حرب غزة

"هذا نزوحي السابع" .. مرام أبو صافية رحلات قاسية من البحث عن الأمان

"هذا نزوحي السابع" .. مرام أبو صافية رحلات  قاسية من البحث عن الأمان
"هذا نزوحي السابع" .. مرام أبو صافية رحلات قاسية من البحث عن الأمان

الرسالة نت – رزان الحاج

بصوت أنهكه التعب والإعياء وعيون تحبس فيها الدمع تحاول مرام أن توازن في حملها ما بين طفلها أدهم ابن العامين وبين شنطة النزوح التي جمعت فيها بعض الملابس قبل هروبها ونزوحها السابع ، سألتها من أين أنت أجابت: "من تل الهوا" .

على قارعة الطريق عند دوار البحر في مدينة رفح جلست مرام تخبرنا بتجاربها القاسية ما بين النزوح في مشفى وخيمة ومركز إيواء حتى وصلت بها الحال إلى طريق مسدود لا تعلم إلى أين ستذهب في نزوحها السابع.

بدأت رحلة النزوح عندما بدأ الاحتلال بقصف عشوائي على المباني السكنية في منطقة تل الهوا ومرت ليلة كاملة تحت نيران الأحزمة النارية تساقطت علينا الشبابيك والحجارة وشظايا الصواريخ مرت هذه الليلة ونحن لا ندري ما الذي يحدث من هول القصف وكل ما نعرفه أن الموت يقترب منا، انتظرنا الصباح ومجرد توقف الأحزمة النارية خرجنا من البيت فقط بالملابس التي نرتديها وسرنا حتى مشفى القدس افترشنا أحد الممرات هناك وكانت هذه أول محطات النزوح.

في المشفى...

جلست مرام وطفليها أدهم وبتول وزوجها في أحد ممرات قسم الطوارئ في مشفى القدس التي لم تبعد عن مكان سكنها فما زالت الأحزمة النارية قريبة منها إلا أن المشفى تبقى آمنة مقارنة بالبنايات السكنية على حد قولها لكن الموجع هناك أنين المرضى ووداع الشهداء وضجيج الطواقم الطبية هي تحاول إنعاش بعض المصابين وأصوات الإسعافات التي لم تغادرهم طيلة الأسبوع الذي قضته هناك حتى جاء أمر بإخلاء المشفى ورحلت من هناك

"على الرصيف في حيرة من أمري"

جلست وعائلتي على الرصيف والجميع يرحل من المشفى لا يدري إلى أين يذهب لكن المهم أننا نريد الخروج من هنا بعد تهديدات متواصلة ، قررت أخيرًا الذهاب إلى بيت أحد الأقارب في محيط مشفى الشفاء جلست هناك فترة حتى بدأ الاحتلال بالتوغل البري قررت أنا والأقارب أن نتحامى في مشفى الشفاء فتركنا البيت وتوجهنا إلى المشفى تاركين خلفنا طعامنا وملابسنا وخرجنا للمرة الثانية بالملابس التي نرتديها فقط ، جلست هناك قرابة الأسبوعين حتى وصل الاحتلال إلى مجمع الشفاء وحاصرنا عشنا الويلات لمدة أربعة أيام أنا وأطفالي حتى وصل الاحتلال لنا وصوب علينا الجندي سلاحه قائلًا " خمس دقائق تكونوا غادروا المستشفى لجنوب وادي غزة".

من الشمال إلى الجنوب عبر ممر الموت

بدأت السير من المشفى إلى الطريق التي حددها الجندي ،أسير وكأن كل ثقل العالم في قلبي أغادر غزة إلى مصير مجهول تحت القذائف دون نوم لأربع أيام، أطفالي يبكون من الخوف ومن قلة النوم والفزع قررت أن أحمل أدهم وأن يحمل زوجي بتول سرنا من المشفى إلى دوار الكويتي مسافة طويلة سيرًا على الأقدام كانت الجثث على الطرقات بعضها متحلل وبعضها تنهشه الحيوانات هذه المشاهد لا يمكن وصفها بكيت كثيرًا من الأرق والتعب ومن مشاهد الجثث حتى شعرت أني في دوامة أريد أن أجلس على الأرض إلا أن دبابة الاحتلال تراقبنا من بعيد أي أحد يجلس أو يقف تستدعيه للاعتقال أخيراً بعد مشي لساعات وجدنا عربة يجرها حمار تنقلنا إلى مدرسة لإيواء النازحين في مخيم النصيرات

في الجنوب الخطر يلاحقنا

مكثت في مدرسة الإيواء شهرين بدأت شراء بعض المستلزمات الأساسية بدلًا من التي تركتها في البيت حاولت أن أجعل من الفصل الدراسي غرفة أحتوي بها عائلتي رغم شدة القصف في محيط المدرسة ، اشتد الوضع سوء في صباح أحد الأيام بدأت مدفعية الاحتلال بإطلاق القذائف بشكل عشوائي وسقطت إحداها على المدرسة أصيبت ابنتي بتول إصابة متوسطة نقلت على أثرها لمشفى شهداء الأقصى لمدة أسبوع وقتها اضطررت أنا وعائلتي أن أنزح من المدرسة إلى المشفى حتى قرر لها الطبيب خروج من المشفى فنزحت إلى مدينة رفح .

من رفح إلى أين ؟

وصلت رفح المدينة التي يتغنى بها الاحتلال أنها آمنة نصبنا خيمتنا قريبة من مشفى أبو يوسف النجار تحسبًا لأي طارئ يحدث لصغيرتي رغم أن الخيمة لا تتناسب مع الوضع الصحي لها إلا أني مجبرة للتعايش فيها عشنا أيامًا صعبة في الشتاء كانت مياه الأمطار تصب علينا من كل الاتجاهات والبرد يفتك في عظامنا انتهى الشتاء وجاءت موجة حر شاهدنا فيها أشكالًا من الحشرات والقوارض، ولسوء الحظ استيقظنا اليوم على منشورات ألقاها الاحتلال أمرنا بالإخلاء الفوري من المنطقة وها أنا أقف على قارعة الطريق برفقة أطفالي وزوجي ولا أعلم إلى أين سنذهب.

البث المباشر