لا يمكن النظر إلى قصف سلاح الجو الاسرائيلي 20/7 لميناء الحديدة دونما تنسيق وتعاون اسرائيلي أمريكي حربي.
شكل القصف اليمني الحوثي لتل أبيب يوم 19/تموز يوليو نقلة نوعية في الحرب وممكن اعتبارها ذات أبعاد استراتيجية، وأنها تسببت بالإخفاق الإسرائيلي الأكبر منذ السابع من اكتوبر الماضي وبداية الحرب، وحصريا لأن قائد سلاح الجو أصدر تصريجاته مؤخرا والتي فيها الكثير من الاعتداد بدور الطيران في اكتوبر وانه كان ولا يزال في حالة جهوزية قصوى.
جاء الرد الاسرائيلي السريع بقصف مكثف لميناء الحديدة بنحو عشرين من طائرات F35 و F16 ليحمل رسائل مباشرة للمنطقة بمجملها، كما شكل التأكيد على تسمية العملية بالذراع الطويلة والتأكيد على التزود بالوقود في الجو، في تأكيد للحوثيين وكذا لايران ولبنان بأن الجهوزية الاسرائيلية عالية.
شكل القصف تأكيدا على أن إسرائيل كانت جاهزة لمثل عملية المسيّرة "يافا"، وأن تدريباتها في اليونان وقبرص كما أعلنت الاعلام الإسرائيلي قبل عدة أشهر، شكّل تدريبا على مثل هذا التحدي اليمني. وكذلك تأكيد على أن سلاح الطيران لديه بنك أهداف في اليمن وفي المنطقة.
ارادت اسرائيل ووفقا لتصريحات نتنياهو والناطق العسكري ووزير الأمن أن تبعث برسالة إلى إيران باعتبارها حسب التقديرات الإسرائيلية هي الراعية للحوثيين ولاستراتيجية وحدة الساحات وطوق النار الذي تسعى لاحاطة إسرائيل به وفقا لنتنياهو. مفاد هذه الرسالة هو أن إسرائيل تسعى إلى استعادة الردع بأي ثمن اوقد تكون له امتدادات اقليمية او دولية، وفي مسعى الى التلويح بأنها تملك بنك أهداف في كل أرجاء المنطقة.
حمل الرد الاسرائيلي النوعي العسكري والسياسي رسالة إلى الدول العربية والخليجية حصريا بأهمية إعادة التحالف الإسرائيلي العربي لكل الدول التي حاربت الحوثيين في السابق أو المتضررة من شل حركة الملاحة والتجارة العالمية في البحر الأحمر. وقد سعى نتنياهو في خطابه إلى الدفع نحو هذا التحالف بقيادة القيادة المركزية الأمريكية سنتكوم.
تواصلت الاحتجاجات الإسرائيلية ضد الحكومة ورئيسها عشية سفره إلى واشنطن في حال لم يجر إلغاؤها في اللحظة الأخيرة، وأعلنت عدة عائلات كانت مدعوة لمرافقة نتنياهو عم إلغاء مشاركتها ودعوتها لنتنياهو بإبرام الصفقة قبل السفر، وكذلك بدعوتها للتظاهر في واشنطن خلال إلقاء خطابه أمام الكونغرس.
تقف إسرائيل في مأزق الخيارات، فهي لا تملك القدرة على تفكيك ما يطلق عليه وحدة الساحات، وعليه فإن المعادلة حاليا هي إما الصفقة في غزة وعلى أساسها تبريد معظم الجبهات، أو اشتعال متعدد الجبهات وقد يتدحرج إلى حرب إقليمية مفتوحة وذات إسقاطات عالمية، وهي حرب تؤكد معظم الأطراف أنها غير معنية بها، كما أن أول المتضررين منها وأكثرهم هو الشعب الفلسطيني في غزة وكل فلسطين.
تملك إسرائيل القدرة العسكرية على إدارة حرب متعددة الجبهات وبدعم أمريكي وبريطاني واضح. إلا أنها باستهدافها ميناء الحديدة تعرض عمقها ومرافقه الاستراتيجية إلى الاستهداف، ولا تملك ردا يضمن تفوقا استراتيجياً أو أن تدفع الثمن الاستراتيجي الذي فرضه حرب المسيّرات والتي قلصت الفجوة جوهريا في موازين القوى ودى القدرة على التحكم بنتائج وتداعيات هذه المواجهات، ناهيك عن تردي الحالة الاستراتيجية والردع الهش الذي يتراجع مفعوله جوهريا. هناك معطى جديد وهو أن الأطراف الاقليمية بات لديها بنك معلومات في العمق الإسرائيلي.
يستفيد نتنياهو من هذه المواجهة مع الحوثيين، نظرا لأنه سينجح في محورة الأمور حول إيران وما يسمى حرب الوكلاء، واستغلال احتمالية عودة ترامب للحكم للتأليب ضد إيران والسعي لاستهدافها، كما أنها ستشكل سياق إلهاء عن الحرب الفتاكة على غزة، وجعلها هي تتصدر جدول الأعمال الاسرائيلي وليس استحقاقات الصفقة ووقف الحرب.
سياسيا داخليا يستفيد نتنياهو من هذه المواجهة وحاليا من الرد الاسرائيلي وقد تكون استفادة لحظية، فقد عاد إلى تظاهرة الرجل القوي والذي يرسل تهديدات الى كل المنطقة والعالم، ويحث العالم على التدخل لإسناد إسرائيل في معركتها بالوطالة عن دول العالم وفقا له.
بينما للمدى الأبعد لا يستطيع نتنياهو الفصل بين التصعيد الاقليمي وبين استحقاقات الصفقة وفرصة تهدئة معظم الجبهات.
للخلاصة:
• لا تزال احتمالية حرب إقليمية شاملة، محدودة ووقوعها مستبعد رغما عن المخاطر.
• كي لا تتحول المسيّرة يافا الى نموذج يحتذى إقليما ونظرا لوقعه على الردع الإسرائيلي، قد تدفع قوى حاكمة إلى التصعيد الفوري وتسديد ضربة استباقية شاملة على الجبهة مع لبنان وحزب الله، إلا أن القدرة على المفاجأة باتت شبه معدومة، بل شكلت المسيّرة اليمنية مفاجأة كبرى رغما عن كون الاستهداف من اليمن متوقع.
• تبقى غزة هي المحور الاستراتيجي ولا يمكن تجاوز استحقاقات الصفقة ونحو وقف الحرب عليها.