هل رأيت يوما طفلا يولد من رحم ميت، يحمل لقب يتيم الأم قبل أن يولد، حدث هذا في غزة فقط، ففي التاسع عشر من يوليو قصف منزل السيدة علا عدنان في المنطقة الوسطى لقطاع غزة، واستشهدت مع آخرين من عائلتها.
وربما أصبح خبر الاستشهاد بصواريخ الاحتلال بعد عشرة شهور من المذبحة عاديا، لكن الأمر غير العادي هو أنها كانت حاملا في شهرها التاسع، فتلقفها الأطباء وحملوا جثمانها وهي ترقد بجراحها دون أي حراك، وأجروا لها عملية قيصرية وأخرجوا جنينا كاملا يتيما قبل أن تلده أمه!!
كانت هذه الأم، الصبية فرحة بحملها، خائفة من لحظة الولادة التي تنتظرها، وكان من المفترض أن تزين غرفة مولودها، وتتحضر لاستقباله بفرح، ولم يكن في حساباتها أن تلده وهي مكفنة ومحضرة للدفن !!
يقول والد الشهيدة عدنان الكرد باكيا: أطلق الاحتلال صاروخ في منتصف الليل مستهدفا البيت الذي تقيم فيه ابنتي في مخيم النصيرات، وكان الاستهداف في الطابق الأول وابنتي سقطت جراء القصف من الطابق الرابع إلى الأرض، ورغم ذلك ظل الجنين حيا في بطنها لساعات، حتى أخرجه الأطباء في عملية قيصرية في مستشفى العودة بعد استشهادها.
علا الكرد كانت الابنة الأخيرة المتبقية من أبناء الحاج عدنان، فقد استشهد جميع أبناءه في قصف لمنزلهم في المنطقة الوسطى قبل سبعة أشهر، ولم يتبقى له سوى هذه الطفلة لابنته التي لحقت بأخوتها .
هذه هي معاير الاحتلال التي لا يتصورها بشر، والتي تخطت كل القوانين الدولية ومعاهدات الرحمة والسلام والحرب وكل ما على الأرض من معايير أخلاقية، حيث استشهد برفقة هذه الأم ثلاثين شخصا من نفس العائلة .
ومستشفى العودة في النصيرات هو المنشأة الصحية الوحيدة التي تمكنت من تقديم الرعاية الصحية لأمراض النساء والتوليد في وسط غزة منذ بدء الحرب العام الماضي.
وأكد الدكتور الجراح في مستشفى العودة أكرم حسين أن الجراحين أجروا على الفور عملية قيصرية وأخرجوا الطفل من رحم الشهيدة وانه بخير وقد نقل فورا إلى مستشفى شهداء الأقصى، وبأن والده أيضا قد أصيب في نفس الهجوم .
هذه ليست قصة الولادة المتعسرة الوحيدة، التي حدثت في غزة، بل أن هناك قصص سابقات كثيرة خرج فيها مواليد من أرحام أمهات رحلن، أو أمهات أعاق ولادتهن الوصول إلى أقرب مستشفى، فوضعوا أطفال أيتام الأم قبل الولادة .