أحلامهم بسيطة، وكذا الأسير نائل النجار مثلهم، يحلم بالحرية والزواج، والعودة إلى الحياة التي اقتطع الاحتلال منها عشرين عاما كاملات، فحرمه كل ملذاتها، وكان الصبر صديقه في زنزانته، يواسيه كل يوم بالحرية القريبة، والزواج من خطيبته التي انتظرت سنوات طويلة.
ولكنها الأحلام التي تتغير في غزة فقط، تقلبها طائرات الاحتلال، أو تسرقها، فتغير وجهة أصحابها، ويتحول حلم الزواج الذي انتظره طويلا إلى أمنية بزيارة قبر الخطيبة لا أكثر. خرج الأسير الفلسطيني نائل النجار من سجون الاحتلال بعد اعتقال دام 20 عامًا، ليجد نفسه واقفا على أعتاب حريته وحيدا، بدون استقبال من عائلته وخطيبته، الذين قتلوا في قصف للجيش الإسرائيلي على مخيم جباليا شمال قطاع غزة.
خرج النجار وهو يعلم باستشهاد خطيبته وأفراد من عائلته بينما كان لا يزال أسيرًا في الزنازين الإسرائيلية. واعتقد أن الحلم اقترب، وإذا به يتحول من حلم انتظره بفارغ الصبر ولقاء خطيبته والزواج منها، إلى حلم بزيارة قبرها شمال غزة من موقعه في الجنوب، بسبب قيود (إسرائيل) في التنقل.
لم يتحرر نائل النجار في موعده المتفق عليه، بل إن الاحتلال مدّد محكوميته لثمانية أشهر أخرى، وسرق فرصته بوداع لائق لعائلته كما يليق له أن يودع، فخرج من بوابة الاعتقال وحيدا لا ينتظره أحد ليهنئه على حرية ناقصة. وعن لحظات تلقيه خبر استشهادها وأفراد من عائلته، يقول: أخبرني زملاء الاعتقال أن الاحتلال قصف منزل عائلتي في جباليا، ولكنهم لم يخبروني من الذي استشهد، وبدأوا بإبلاغي تدريجيا، قالوا لي إن ابن عمتي من الشهداء ولكني شعرت أن هذا خبرا ناقصا، حتى بدأوا ينقلون لي خبر الشهيد تلو الشهيد، أبلغت باستشهاد أبي، ثم خطيبتي ووالدتها وشقيقها".
لكن أم نائل كانت تنتظره بصمت في خيام النازحين، وتقول إنها لم تستطع الفرح، ولا الشعور بحرية ابنها، لأنها منذ السابع من أكتوبر تشارك من حولها قصص الحزن، تبكي معهم، وكأن البكاء أصبح قدر الجميع، وتتمنى بأن يكون هناك فرحة كبيرة بعد انتهاء الحرب، فرحة يقاوم بها الفلسطيني كل أوجاعه، ويتحدى الاحتلال بها. العروس مدفونة في شمال القطاع، ونائل في جنوبه يقلب في فرحته المنقوصة، ويتمنى لو ينته كل هذا الكابوس، وتنسحب قوات الاحتلال من غزة والشمال، ليتسنى له العودة مع الشعب النازح جنوبا ليزور قبر عروسه.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، زادت معاناة الأسرى داخل سجون الاحتلال، حيث بدأت إدارة السجون تمارس انتقامها عليهم بهدف كسر إرادتهم، ولم يعد أحد من عائلات الأسرى يعرف أخبارهم، وباتوا منقطعين عن العالم، حرموا من الطعام والعلاج، والزيارة وأي معاملة إنسانية ومورست عليهم كل أصناف التعذيب، وتكوموا في السجون بعد أن زاد عدد المعتقلين عشرة آلاف معتقل من الضفة وغزة اعتقلوا فقط منذ السابع من أكتوبر.
منقطعون بشكل كامل عن العالم الخارجي، ويتعرضون للتجويع، والتنكيل والتعذيب المستمر، والبرد القارص، وغياب الرعاية الطبية ومستلزمات النظافة الشخصية بشكل كامل، وقد أدت هذه الظروف اللاإنسانية إلى استشهاد العشرات من أبناء الحركة الأسيرة نتيجة هذه الممارسات اللاإنسانية، التي يواجهونها منذ عشرة أشهر.