غزة - ميرفت عوف
"رزان المدهون " فتاة لم تتجاوز ربيع عمرها الثالث والعشرين، في تفاصيل مشوارها العلمي والعملي تبصر طموحاً من نوع آخر، بينما تدل مقالاتها في مدونتها على الإنترنت على ثقافتها الواسعة، وبين السطور تقرأ ملامح فكر عميق، وفي إبداعاتها الأدبية والفنية كمخرجة أفلام وثائقية تلمس حباً للوطن وحرصاً على الحق وحنيناً لوطن سُلب وأرضٍ نُهبت.
رزان استطاعت أن تُعمل فكرها الواعي وقلبها النابض بحب الوطن لإخراج فكرة "هل سنلتقي" إلى النور، فكانت أصغر إعلامية تشارك في مهرجان غزة الدولي للأفلام الوثائقية، الفيلم وعلى الرغم من استهلاك فكرته التي تتحدث عن العودة والتشبث بها كحق نتوارثه من جيل إلى جيل إلا أنه كان مميزاً فاستحق أن يحوز الجائزة الذهبية عن فئة الأفلام الوثائقية القصيرة.
"الرسالة" في الحوار التالي تقترب أكثر من المخرجة الناشئة رزان المدهون، لتتعرف على مسيرتها وطموحاتها المستقبلية، وكيف استطاعت أن تطور مهاراتها الإخراجية لتفوز بثاني عمل لها بجائزة ذهبية.
خبرات ومهارات
منذ السنة الدراسية الأولى في قسم الصحافة والإعلام بالجامعة الإسلامية بدأت رزان نشاطها كإعلامية ولم تنتظر لحين التخرج لتتمرس على تفاصيل المهنة، فقد كتبت لبعض المواقع الإلكترونية ومن ثمَّ اتجهت للعمل في إحدى الإذاعات المحلية ، كان هدفها أن تحصل على المزيد من الخبرات والمهارات العملية والعلمية لتوقد الطموح بداخلها ويتغلغل حب العمل الإعلامي في قلبها أكثر فأكثر .
هذه الجهود النابعة من فتاة فلسطينية طموحة كانت تقود بسلسلة نحو حلمها الأكبر الذي لم تجد له تخصصا لدراسته في الجامعات الغزية وهو "الإخراج التلفزيوني"، فبدأت توطد علاقتها مع الإخراج بالتدريب في الشركات المهتمة بهذا المجال في القطاع كي تستطيع أن تحصل على الأساسيات الأولى والمبادئ العامة في فن الإنتاج والإخراج وكتابة السيناريو، وبمزيد من الفخر تؤكد أنها عمدت إلى اتخاذ خطوة منفردة للكشف عن موهبتها ومهارتها أيضاً في مجال الإعلام المرئي فوثقت زيارة تركية للجامعة الإسلامية في فيلم وثائقي أودعت فيه ما اكتسبت من مهارات وزينته بلمسات إبداعية من صنعها، وكانت النتيجة:"أنه لقي استحسان بل وإعجاب إدارة الجامعة" كما قالت، بالإضافة إلى تكليفها بإعداد مجموعة من السيناريوهات لعدد من الأفلام الوثائقية التي تود الجامعة تنفيذها.
تجربة شبابية رائدة
شغف رزان وطموحها في التقدم والتطور أكثر فأكثر في مجال الإخراج التلفزيوني، جعلها تذلل كافة العقبات التي تعترض طريقها بمزيد من الوعي والصبر الممزوج بإرادة وتحد، فبعد النجاح المميز في فيلمها الأول عن الزيارة التركية للجامعة الإسلامية وتمرسها في كتابة عدد من السيناريوهات كانت الخطوة التالية الانفتاح على عالم الإخراج، فحاولت أن تقترن بزميلاتها من ذوات الخبرات المتنوعة في مجال الإنتاج التلفزيوني وكان لها ما أرادت وما هو إلا وقتٌ قصير حتى أعلنَّ تأسيسهنَّ مجموعة لإنتاج الأفلام والبرامج التلفزيونية تحت مسمى "فجر"، ومن خلال مجموعة فجر استطاعت رزان أن تخرج فيلم "هل سنلتقي" إلى النور و قدمته لمسابقة مهرجان غزة الدولي للأفلام الوثائقية عن فئة الأفلام القصيرة وحظيّ بالجائزة الذهبية.
هل سنلتقي؟ سؤال صاغت رزان تفاصيله المجهولة بشكل درامي في فيلم قصير صامت يتحدث عن حق العودة للاجئين كما تقول، يبدأ الفيلم بمشهد الزيتون في الحقول الفلسطينية قبل أن تدوسها أقدام العدو الصهيوني لتحولها إلى أرض جرداء وتحرق البيوت وتشرد الأهل وتحول العودة إلى الوطن إلى حلم يتوارثه الأبناء عن الآباء ومن ثم الأحفاد في مشهد درامي مميز وينتهي بمشهد الحفيد الذي يلتقط مفتاح العودة ويحتضنه بين كفيه الصغيرتين في رسالة أنه لن يفرط بحق الآباء والأجداد وسيبقى على العهد حتى تحرير الأرض وتحقيق الحلم.
وتقول المخرجة الصغيرة رزان:"أنها تحرص عند تناولها للقضايا الفلسطينية الهامة والجوهرية أن تكون بشكل مميز وجديد لتحقق بذلك إضافة نوعية وليس تكراراً كمياً"، وأضافت أنها في فيلم هل سنلتقي؟، اعتمدت على المشهد التمثيلي الدرامي الصامت والموسيقى التصويرية لإيصال الرسالة وتحقيق الهدف المرجو بأن الفلسطيني لن يتنازل عن حق العودة".
ولفتت إلى أن مشاركتها في مهرجان غزة الدولي للأفلام التسجيلية بفيلم "هل سنلتقي؟" كانت بسبب موائمته للشروط والشعار الذي رفعه المهرجان"الحرية للأرض والإنسان".
وأشارت إلى أن تميز فيلمها بشكل درامي صامت جعله يحوز على الجائزة الذهبية بالمهرجان عن فئة الأفلام القصيرة، وتقول "الجائزة كانت بمثابة مفاجئة لها، خاصة أنها الأصغر سناً بين المشاركين ناهيك عن أنها التجربة الثانية لها بعد الفيلم الخاص بالجامعة.
أنثي في عالم للرجال
على الرغم من كون عالم الإخراج يكاد يقتصر في المجتمع الفلسطيني على الرجال إلا أن رزان استطاعت أن تكون واحدة من عدة إناث تميزن بتجاربهن في مجال الإخراج، شقت الصعاب بمزيد من الصبر والأمل مع التدريب المكثف والمستمر والمواكب لأي تطورات في عالم وعلم الإخراج ناهيك عن الدورات المتخصصة في فنون كتابة السيناريو ومن ثمَّ كان الانتظار والترقب للفرصة التي تعلن فيها عن بعض أعمالها الإبداعية فكانت من خلال مهرجان غزة الدولي في نسخته الثانية والذي يشجع الإنتاج المحلي والإبداعات الشابة.
ولعل الطريق الذي سلكته رزان منذ البداية حدد وجهتها وأحلامها، فبعد حصولها على الجائزة لن ترتكن جانباً لتزهو بفرحة النجاح بل ستستمر في العمل على إنعاش مجموعة"فجر" لتكون منارة لإنتاج أفلام وثائقية تتحدث عن هموم الوطن والمواطن الفلسطيني بقالب متجدد وفيه الكثير من الإبداع والتميز سواء من ناحية التناول أو العرض في مشاهد درامية أو غيرها.
وتشير إلى أن فلسطين وغزة تحديداً بحاجة لأفلام تبرز الجوانب الاجتماعية والإنسانية الموجودة فيها ، مبينة أن العالم الخارجي بحاجة لأن يرى فلسطين من زوايا جديدة.