بعد مرور نحو عام على حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة، فشلت الجهود الدبلوماسية في التوصل إلى وقف لإطلاق النار، ويراقب العالم ارتفاع أعداد الضحايا في صفوف المدنيين الفلسطينيين.
في هذه الأثناء ارتفعت المخاوف من اندلاع حرب في المنطقة على نطاق أوسع مع تصاعد تبادل إطلاق النار بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله اللبناني.
وعلى مدى العام الماضي، رفعت جنوب أفريقيا دعاوى قضائية ضد دولة الاحتلال، وأثارت بعض الحكومات الأوروبية غضب "إسرائيل" بالاعتراف بدولة فلسطين، لكن المحللين يقولون إن التغيير الجذري في السياسة الأميركية فقط هو الذي يمكن أن يوقف الحرب.
إقرأ أيضاً
كيف كان صدى الحرب؟
نفذت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والمقاومة الفلسطينية هجوما غير مسبوق ضد "إسرائيل" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تحت اسم طوفان الأقصى".
لاحقا أدت الحرب الإسرائيلية الانتقامية في غزة إلى قتل أكثر من 41 ألف فلسطيني، غالبيتهم من المدنيين من النساء والأطفال فضلا عن فقدان أكثر من 10 آلاف آخرين.
وفي جميع أنحاء العالم، كان للصراع تأثير استقطابي، مما أدى إلى توليد دعم عاطفي لكلا الجانبين.
وقال المحلل كريم بيطار إن "هذه الحرب عمقت خطوط الانقسام بشكل كبير، وما يحدث اليوم في لبنان يزيد الأمر تعقيداً".
وأضاف أن فشل الغرب الملحوظ في الدفاع عن حقوق الإنسان الفلسطيني قد كشف عن "نفاقه"، بالنسبة لكثير من الناس حول العالم، وخاصة في البلدان التي شهدت حكماً استعمارياً.
وفي العالم العربي، هناك فكرة مفادها أن كل المبادئ العظيمة تتطاير من النافذة عندما يتعلق الأمر ب"إسرائيل"، وأن الغرب يظل غارقاً في مزاعم الشعور بالذنب" الناجم عن الحرب العالمية الثانية والمحرقة.
وقال المؤرخ والدبلوماسي الفلسطيني إلياس صنبر إن الغرب أعطى الإسرائيليين "حرية مطلقة في الإفلات من العقاب" لعقود من الزمن، منذ تأسيس "إسرائيل" في عام 1948 عقب النكبة الفلسطينية.
لكن اليوم "سيكون من الأصعب بكثير إظهار الدعم غير المشروط لإسرائيل"، على حد قوله.
هل ساد القانون الدولي؟
في ديسمبر/كانون الأول، رفعت جنوب أفريقيا قضية أمام محكمة العدل الدولية، قائلة إن الحرب في غزة تشكل خرقا لاتفاقية الأمم المتحدة للإبادة الجماعية لعام 1948.
وانضمت منذ ذلك الحين كولومبيا وليبيا وإسبانيا والمكسيك وتركيا وتشيلي إلى القضية.
وقالت المحللة ريم ممتاز إن إجراءات محكمة العدل الدولية ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي "غير مسبوقة"، مضيفة أن "القانون الدولي يتولى القضية".
في مايو/أيار، سعى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار مذكرات اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير جيشه يؤاف جالانت لتورطهما في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، اندلعت أعمال عنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، حيث تبنت الأحزاب اليمينية المتطرفة في الائتلاف الحاكم تسريع توسيع المستوطنات الإسرائيلية، التي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي.
واستشهد ما لا يقل عن 680 فلسطينياً في الأراضي الفلسطينية برصاص القوات الإسرائيلية أو المستوطنين، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية.
اعتمدت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة قرارا غير ملزم يطالب رسميا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية خلال 12 شهرا.
لكن المؤرخ والدبلوماسي الإسرائيلي إيلي بارنافي قال إن بلاده "لا تهتم" بما يفكر فيه ما يسمى بالجنوب العالمي.
هل يتضاءل الدعم الأوروبي لإسرائيل؟
اتخذت بعض الحكومات الأوروبية موقفاً مناهضا لدولة الاحتلال بشكل صريح وغير مسبوق على خلفية الحرب على غزة.
واعترفت سلوفينيا وإسبانيا وأيرلندا والنرويج بدولة فلسطين، مما استدعى خطوات انتقامية من دولة الاحتلال.
وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على المستوطنين "المتطرفين"، ودعا وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إلى فرض المزيد من العقوبات ضد بعض أعضاء اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية.
وعلقت المملكة المتحدة 30 من أصل 350 ترخيصًا لتصدير الأسلحة إلى دولة الاحتلال.
وأشار برناوي إلى "تحول حقيقي في موقف الأوروبيين تجاه إسرائيل"، لكنه قال إنه "غير كاف".
وقالت زينات آدم، من مركز الشرق الأوسط الأفريقي في جنوب أفريقيا، إن تعليق صادرات الأسلحة البريطانية كان "ضئيلا".
وأضافت أن "الاعتراف" الأخير من جانب الدول الأوروبية بفلسطين هو مجرد كلام فارغ".
وفي النهاية، كما قال صنبر، فإن الدول في أوروبا لا تزال تدعم "إسرائيل" إلى حد كبير، حتى لو كان "نوع من الإحراج" قد أثار في بعض الأحيان تصريحات تعبر عن القلق، مضيفا "هذا ليس كافيا على الإطلاق".
ماذا عن الولايات المتحدة؟
تتجه كل الأنظار بدلا من ذلك إلى الحليف الرئيسي لإسرائيل، الولايات المتحدة، التي دفعت باتجاه التوصل إلى وقف لإطلاق النار لكنها أبقت على مساعداتها العسكرية لدولة الاحتلال.
وقالت ممتاز إنه "إذا لم تغير الولايات المتحدة موقفها فلن يكون هناك تغيير".
وأضافت "لم يحدث أي تراجع حقيقي في الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل. ومع ذلك فإن هذا الدعم هو الأمر الحاسم الذي يحدث كل الفارق".
أعلنت وزارة الجيش الإسرائيلية، يوم الخميس، إنها حصلت على حزمة مساعدات أمريكية جديدة بقيمة 8.7 مليار دولار لدعم الجهود العسكرية المستمرة للبلاد، بما في ذلك تحديث أنظمة الدفاع الجوي.
وقالت ممتاز إنه ليس من الواضح ما إذا كانت الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل ستغير أي شيء، بغض النظر عما إذا كان الفائز هو دونالد ترامب أو كامالا هاريس.
وأضافت أنه "لم تكن هناك أي إشارة إلى أن إدارة ترامب أو هاريس ستكون مستعدة لاستخدام النفوذ الأمريكي، وهو الوسيلة الفعالة الوحيدة لمساعدة الطرفين على وقف هذه الحرب".
وقال بيطار إن الجالية اليهودية والديمقراطيين التقدميين الشباب بين الناخبين الأميركيين أصبحوا أكثر ابتعادا عن "إسرائيل"، لكن ذلك قد لا يكون له تأثير سياسي إلا بعد 10 إلى 15 عاما.
لا نهاية في الأفق؟
لقد أحيت حرب غزة الحديث عن ما يسمى "حل الدولتين" الذي يقوم على قيام دولتين إسرائيلية وفلسطينية تعيشان في سلام جنباً إلى جنب، ولكن هذا الهدف يبدو اليوم أكثر صعوبة من أي وقت مضى.
وقال بيطار إنه على مدى سنوات طويلة "وعد المجتمع الدولي بحل الدولتين دون أن يفعل أي شيء لإنهاء الاحتلال أو إنهاء المستوطنات أو جعل الدولة الفلسطينية قابلة للحياة".
وأضاف "يعتقد كثيرون أن القطار غادر المحطة، وربما فات الأوان بالفعل" بفعل الغطرسة الإسرائيلية.