قائد الطوفان قائد الطوفان

في (مدرسة المفتي) أجساد النازحين حطب لنيران الحقد (الإسرائيلية)

مدرسة المفتي
مدرسة المفتي

خاص- الرسالة نت

في مشهد أصبح شبه يومي، تحولت مدرسة "المفتي" بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة التي تأوي مئات النازحين إلى ساحة من الموت والأشلاء المتناثرة، هؤلاء الذين اضطروا للنزوح من الشمال بحثاً عن أمان مفقود، ظنوا أن جدران المدرسة التابعة للأمم المتحدة ستحميهم من القذائف والغارات. 
مع إشارة عقاب الساعة للتاسعة والنصف مساءً، كان النازحون هناك يتجهزون للنوم على أمل أن يحظوا بنومة هادئة لا تفسدها أصوات الصواريخ والقذائف كما يحدث في كل ليلة، إلا أن الاحتلال حوّل أملهم إلى كابوس.
وجدوا نفسهم بين حمم من النار، ففي تفاصيل ما جرى، قالت الناجية من المجزرة لمى أبو غولة: "رأينا لهب القذيفة وهي في السماء ولا ندري أنها ستسقط على فصل دراسي يأوي نازحين في الطابق الثالث من المدرسة التي نحتمي بها".
أكملت أبو غولة "للرسالة نت": "عند سقوط القذيفة كُسر ظلام المدرسة بوهج نار كانت أجساد النازحين ومتاعهم حطباً لها، حاول الرجال هناك إخمادها لإنقاذ الأجساد التي تحترق، أما النساء فحاولن الهروب بأطفالهن قبل أن تشتعل بهم النار".
لحظاتٌ مرت قبل أن يعيد الاحتلال استهداف المدرسة، ليطلق قذيفة أخرى أصابت درجها، فتحول ممر النجاة إلى مصيدة حتمية، من فرّ هربًا من الموت وجد نفسه بين ألسنة النيران المتوحشة، لكن الاحتلال لم يكتفِ بتلك المذبحة، فأطلق قذيفة ثالثة استهدفت فصلا دراسيًا، لتشتعل النيران وتنتقل إلى الفصل المجاور، في تلك اللحظة أغلقت كل أبواب النجاة وحوصر من في المبنى بالنيران التي لم تترك لهم سوى الألم المحترق على أجسادهم الممزقة.
أما عن الأم التي احتضنت طفلها الرضيع الذي وُلد في المدرسة قبل شهرين وأسمته “رضوان كشكو”، كان بالنسبة لها قطعة من روحها، بعيونها المنهكة كانت تراقبه وهو نائم، محاولة طمأنة نفسها أن هناك ما يستحق أن يعيشوا لأجله.
كل هذا قبل أن تأتي اللحظة الفاجعة، التي حولت تلك الغرفة الصغيرة التي احتوت هذه العائلة إلى ساحة من الدمار ، مزقت قذيفة المدفعية جدران الفصل، وتناثرت الشظايا في كل مكان، حتى طالت جسد رضوان الصغير، فسقطت عليه الحجارة والشظايا وتركته فاقداً للوعي.
احتضنته أمه محاولة إنعاشه حتى نقله الإسعاف إلى المشفى وارتقى بعد ساعة شهيداً ، هذا الجسد الصغير الذي لم يعرف من الحياة سوى هذه المدرسة التي ولد فيها وبعد شهرين قدر له أن يفارق الحياة فيها. 
لم يكن رضوان الوحيد بين الضحايا، فقد استشهد 22 آخرون من النازحين الذين لجأوا إلى المدرسة، بينهم أطفال ونساء، وفي الوقت الذي كان الناجون يبحثون فيه عن جرحاهم بالمشفى، كانت الأم تحتضن رضوان وتُقبله للمرة الأخيرة وهي تعلم أن الفراق هذه المرة بلا عودة، وكأنها ترفض أن تصدق أن طفلها الذي ولد وسط الخراب، لم يعرف سوى الوداع بين الأنقاض.
كانت هذه المدرسة شاهدة على واحدة من أبشع المجازر، حيث سقط النازحون ضحايا لقذائف لا تفرق بين بيت أو ملجأ، ستبقى هذه المجزرة حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الاعتداءات التي تستهدف الغزيين في كل مكان.
مكتب الإعلام الحكومي ذكر في بيان له أن عدد مراكز النزوح التي قصفها الاحتلال منذ أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي وصل إلى 191 مركزا، وبات النازحون يخشون استمرار استهدافهم وسط صمت العالم الذي يكتفي بالفرجة.

البث المباشر