طوفان نحو التحرير طوفان نحو التحرير

بجعبة وبندقية.. فارس أكتوبر يترجل عن جواده  

غزة - خاص الرسالة نت

مشتبكا، يرتدي بدلته العسكرية، يعلق عليها سلاحه، وقنابله المفخخة، في قلب المعركة، مع أبنائه المقاومين، الذين تتلمذوا على يديه، ثم ترجل وهو إلى جانبهم، مع المكلومين في الشوارع، يركض مرتديا كوفيته وجعبته، ورصاصات دسها في جيبه ومضى، كمواطن بسيط مثلنا، وكبطل مقدام لم يرض بالخروج عن رفاقه.
توهم هذا الاحتلال المختل بأنه سيجد القائد في حصن منيع، فيخترقه ويعلن عن نصره بمقتله بعد معركة ضروس، وإذا به يفاجأ بمقاتل بين المقاتلين، في أكثر الأماكن التي لا يمكن له أن يتخيله فيها.
ويا لحماقة المثرثرين، المرددين لرواية المحتل، مرة يقولون كان مختبأ في نفق، ومرة هرب إلى جهة بعيدة غير معلومة، ولكنه من موقعه فوق الأرض، حيث يقف القادة منتصبين، كان يوجه المعركة، ويصدر الأوامر، ويرسل تعليماته للخارج والداخل في المفاوضات وطريقة سير المقترحات.
ثم رحل السنوار، شهيدا، والاحتلال يحاول أن يحبك رواية تعطيه بعضا من شرف، لكنه لم يجد، ويدور حول نفسه، وهو يعلم تمام العلم، أن موت قائد لا يعني انتهاء المعركة، فقبل سنوات رحل الشهيد أحمد ياسين، ومن بعده الشهيد عبد العزيز الرنتيسي، وقبل أشهر رحل الشهيد إسماعيل هنية، وها هو اليوم قائد طوفان الأقصى، يترجل أيضا، ويظل أبناؤه من بعده، يتناسلون.
حسنا، لقد أعلن عن استشهاد القائد يحيى السنوار(أبو إبراهيم) بطل السجون، الذي خطط لمعركة طوفان الأقصى، والذي قضى نصف عمره في المعتقلات، فخرج عقلا لا يشبه عقله أحد، أو بالوصف الأدق، يقين لا يشبه يقينه أحد.
الرجل الذي لم يراهن على الحياة يوما، ولا على الجبناء الذين ينتظرون استشهاده، ولا على العالم الذي يعلم أنه عالم ظالم، ولكنه راهن على قدر الله، ثم على رجاله، فربح رهانه، وظلت المقاومة تقاتل حتى بعد اكتمال عام من حرب الإبادة.
اثنان وستون عاما عمر المقاتل، رجل في شيخوخته، بعنفوان الشباب، في قلبه جندي ثائر، ونار حق لا تخمد، في قلب معركة ضروس منذ عام كامل، وهو الذي لم يأخذ من الحياة إلا اليسير منها، فقد اعتقله الاحتلال في العام 1989، وهو ابن السابعة والعشرين، حكمت عليه (إسرائيل) من خلال المحكمة العسكرية في غزة.
خرج رغم أربعة أحكام بالسجن مدى الحياة، قضى منها 22 عامًا حتى إطلاق سراحه من بين 1027 أسيرا فلسطينيا في عملية تبادل أسرى عام 2011  مقابل إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط.
درس في معتقله التاريخ العبري، درس عدوه جيدا، ثم فكر وقدر، وتولى قيادة حركة حماس في 13 فبراير 2017، حيث انتخب يحيى السنوار رئيسا للمكتب السياسي للحركة في قطاع غزة خلفا لإسماعيل هنية، ثم عين القائد الأول للحركة بعد استشهاد القائد  هنية.
لم يأخذ من متاع الحياة الكثير، تزوج وأنجب ثلاثة أطفال، وبين تحرره واستشهاده، ثلاثة عشر عاما من تاريخ جديد للمقاومة الفلسطينية، وصلت على يديه إلى نقطة جديدة من القوة، لا عودة فيها إلى الوراء.
لم يعش حياة أسرية هانئة، لحظات مسروقة بينه وبين أسرته، وبين الضحكة والأخرى معركة، وبين السلام والسلام، خطة لإكمال المسير، وتطوير المقاومة، حتى نتفاجأ بتقدمها في كل معركة.
ولم ينته الكلام عند معركة أخيرة في رفح، بل إن رفاقه تحدثوا عن معارك أخرى خاضها في كل اجتياح وفي كل مدينة منذ عام من حرب الإبادة وفق مصادر ميدانية في خانيونس، فالسنوار كان يتنقل طوال الأشهر الماضية من موقع قتالي لآخر.
‏خاض معارك بطولية برفقة رجاله في شرق خانيونس وأثخن في الاحتلال بمدينة رفح، وقد كان يمكنه أن يختبئ، وأن يحيط نفسه بالحرس والتخفي، كأي رجل في مكانه ومكانته، لكنه لم يفعل.
ثم صادر هذا المحتل الذي يرعبه موت أبطالنا كما يرعبه حياتهم، جثمان الشهيد البطل، الذي وجده صدفة بين أنقاض معركة ضروس، ليحلل مصداقية الرواية، بالدليل القاطع على فعلته، وهو يحضر أكذوبة جديدة ليضمن استمرار أعماله الوحشية، وكأنه لا يصدق، بأن هذا البطل الذي طارده عمرا، موجود هنا، في وسط المعركة مسلحا مشتبكا، مقبلا على القتال، حتى النفس الأخير.    
رحيل أسطوري، خاتمة لا يحصل عليها إلا الأكرمون، تشبه خاتمة عز الدين القسام، وعبد القادر الحسيني، مقبل وسلاحه على كتفه، ليقول للعالم إن فلسطين ولادة، وكلما تقتل (إسرائيل) قائدا، تعتقد لحماقتها بأن القصة انتهت، وفي كل مرة نثبت من جديد بأن الأرض ولادة، فإن استشهد السنوار، فهناك ألف وريث تعلموا على يديه، بأن البقاء للأرض والمقاومة، وصوت الحق لابد له أن ينتصر في النهاية. 
بقي أن نقول: ‏ولد السنوار في 29 أكتوبر، وخرج من السجن في 18 أكتوبر، وبدأ الطوفان في 7 أكتوبر ، وارتقى مشتبكا في 17 أكتوبر ... فحق عليه أن يكون بطل أكتوبر.

البث المباشر