شكّل استشهاد القائد الوطني الكبير يحيى السنوار حاملا بندقيته ويرتدي جعبته صدمة للكيان الإسرائيلي، وبدد رواياته الزائفة التي طالما كان يروجها بأن قيادات "حماس" وعلى رأسهم السنوار يختبئون بالأنفاق أو يحتمون بالمدنيين الفلسطينيين.
لكن الحقائق تكشفت بعد أن سرب أحد جنود جيش الاحتلال صورة للسنوار وهوي يقاتل حتى الرمق الأخير قبل استشهاده، وتصديه لطائره مسيرة للجيش (الإسرائيلي) بإلقاء عصا عليها والتي دخلت المنزل الذي يتحصن به لتمشيط المكان.
وأعلنت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عن استشهاد رئيس مكتبها السياسي في اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال في محور قتال متقدم في حي تل السلطان في رفح جنوب قطاع غزة.
وأكد عضو المكتب السياسي لحركة حماس خليل الحية، استشهاد القائد السنوار في اشتباك مع قوات الاحتلال في رفح، قائلًا:" ارتقى السنوار مقبلًا غير مدبر مشتبكًا في مقدمة الصفوف ويتنقل بين المواقع القتالية".
وكشف جيش الاحتلال عن اشتباك مسلح وقع مع الشهيد السنوار في تل السلطان، حيث أصيب ضابط وجندي بنيران السنوار ومرافقه أثناء الاشتباكات، فيما تدخلت دبابة وأطلقت قذيفة مدفعية تجاه المنزل الذي يتحصن به المقاومون.
وأظهرت الصور التي نشرها جيش الاحتلال، السنوار وهو ملثم يجلس على أحد المقاعد ويلقي لوحا خشبيا نحو مسيّرة إسرائيلية دخلت إلى المبنى، قبل استهدافه بإطلاق قذيفة دبابة على المبنى.
واللحظات الأخيرة للسنوار الذي قاوم فيها جيش الاحتلال في نقطة متقدمة من ساحة المعركة، تعكس حياة القائد أبو إبراهيم الذي أفناها في مقارعة جيش الاحتلال على مدار أكثر من 40 عامًا من حياته الذي قضى نحو نصفها في السجون (الإسرائيلية) ثم خرج في صفقة شاليط 2011 ليكمل مسيرته الجهادية.
وواصل القائد الشهيد السنوار العمل الجهادي وكان القائد لمعركة "طوفان الأقصى" التي انطلقت في السابع من أكتوبر 2023، وشنت خلالها كتائب القسام أكبر هجوم بري وبحري وجوي على (إسرائيل) لتسقط "فرقة غزة" في جيش الاحتلال في لمح البصر، وتقتل وتأسر المئات من الجنود.
ومنذ بدء معركة "طوفان الأقصى" أصبح السنوار المطلوب الأول بجانب قائد أركان القسام محمد الضيف لجيش الاحتلال الذي فشل على مدار أكثر من عام من الوصول إليه، زاعماً بأن السنوار يختبئ في الأنفاق ومحاط بعدد من المدنيين الفلسطينيين وأسرى (إسرائيليين).
هدم السردية (الإسرائيلية)!
الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي، يرى بأن صورة السنوار الأخيرة والتي ظهرت وهو يمسك سلاحه ويقاتل في الصفوف الأمامية من ساحة القتال، هدمت السردية للاحتلال التي روجها على مدار عام كامل بأن السنوار يتواجد داخل الأنفاق ويحتمي بالمدنيين العزل.
وقال عرابي في حديث لـ"الرسالة"، :" إن الاحتلال كان يريد أن تنتهي حياه السنوار أسيرًا أو يقتل في قصف جوي بين المدنيين ليظهره في مشهد مذل، لكن ما حدث عكس ذلك، وظهر السنوار مقاتلًا في الصفوف الأمامية من المعركة وأصاب نتنياهو في مقتل وخيّب كل توقعاته".
وأوضح أن الصورة التي نشرها جنود الاحتلال بغرض التفاخر والاستعراض بقتل السنوار ومرافقيه، قطعت على الجيش ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو القدرة على اصطناع صورة زائفة عن مقتل القائد السنوار.
وأكد أن استشهاد السنوار في ساحة القتال، حمل العديد من الدلائل والمؤشرات، وتتمثل في تفوق السنوار على الاحتلال أمنيًا واستخباراتيًا على مدى أكثر من عام، رغم الادعاءات (الإسرائيلية) المتكررة عن محاصرته.
حماس رتبت نفسها!
وعن تأثير استشهاد السنوار في الصفوف الأمامية في ساحات القتال، اعتبر المحلل السياسي عرابي، أن حركة "حماس" كانت تتوقع اغتيال السنوار، لذلك هي رتبت نفسها وبنت تنظيمها على أساس وجود بدائل قيادية وشاغر لأي منصب يحدث في الصفوف الإدارية للحركة.
وأكد أن حماس مرت بهذه التجارب منذ اغتيال الاحتلال لمؤسس الحركة أحمد ياسين ثم عبد العزيز الرنتيسي وثلة من القيادات وصولا لإسماعيل هنية وأخيرًا يحيى السنوار، قائلًا :" حماس تستطيع أن تتغلب على هذه الظروف والتكيف معها".
ثبات أسطوري
بدوره، يرى الخبير في الشأن (الإسرائيلي) عادل شديد، أن الصورة التي خرجت للسنوار وهو يقاتل أفشلت مخططات الاحتلال التي كانت ستعمل على خلق رواية أخرى وأنها وصلت إليه عن طريق معلومات استخبارية.
وأوضح شديد في حديث لـ"الرسالة"، أن الاحتلال بعد استشهاد السنوار يظن بأن حماس أصبحت أضعف ويجب الضغط عليها أكثر من أجل الاستسلام والإفراج عن الرهائن، لكن ما لم يحصل عليه الاحتلال خلال العام، لن يحصل عليه الآن.
وأشار إلى أن استشهاد السنوار مثل "ثباتا أسطوريا لم نشهد له مثيلا في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي". وقال "استطاع السنوار التواجد في ساحة القتال الأمامية، وأن يقاتل مع المقاومين، وأن يقود حماس من تلك المنطقة ويتابع مجريات المفاوضات، وهذا بحد ذاته ثبات غير طبيعي وغير منطقي وأسطوري لم يسبق له مثيل".
وتوقع الخبير في الشأن (الإسرائيلي) أن يستمر الاحتلال ويكثف العمل العسكري في قطاع غزة، حتى بعد اغتيال السنوار لأنه لم يحقق أي هدف من الأهداف التي وضعها بالقضاء على الجهاز العسكري للقسام واستعادة الأسرى.
وأوضح شديد أن نتنياهو سيراوغ مجددًا ويخرج بخطاب آخر ويتحدث عن أهداف أخرى غير "تصفية السنوار واستعادة الأسرى التي وضعت سابقًا"، وذلك بهدف أن يستمر في معركته وحرب الإبادة ضد الفلسطينيين.