لم يعد يكترث الاحتلال الإسرائيلي بقتل الصحفيين الفلسطينيين على مرأى العين، فلا رادع يوقفه عن قصف الصحافة، حتى وصل عدد شهداء الحركة الصحفية خلال معركة طوفان الأقصى إلى 183 صحفيا، الأمر الذي يؤهل المحتل لدخول موسوعة غينتس بالجيش الأكثر إجراما وعنفا.
منذ الأيام الأولى للحرب على غزة، بدأ استهداف المقار الصحفية والصحفيين بشكل متعمد ومعلن، ثم تطور الأمر لتهديدهم بالتوقف عن التغطية الإعلامية، واعتقال العشرات منهم، لكن رغم كل الظروف القاسية التي يمر بها الصحفيون يواصلون التغطية وبأقل الإمكانيات.
شمال القطاع الوضع الصحافي سيئ للغاية، فلا مكان آمن للصحفيين، مما دفع عددا من الذين يسكنون مدينة غزة والمحافظة الشمالية للنزوح إلى الجنوب، وبقي عدد قليل يغطي الحدث لتنقلها المنصات المحلية والعربية وحتى العالمية.
فهناك الصحافي هو الذي يوثق الحدث ويبحث بين الركام عن أشلاء عائلته التي قصفها صاروخ (إسرائيلي)، وخلال التغطية أيضا يبحث على عشبة من الأرض علها تسد رمق صغاره، ويبحث في الأسواق عن أي طعام يكفي قوت يوم عائلته.
وبملابسهم القديمة التي حفظها المتابع لشاشات الفضائيات الإخبارية يظهرون، فالمهم لديهم هو نقل الحدث وفضح جرائم الإبادة التي يمارسها الاحتلال ضد المدنيين.
الصمود لدحض رواية الاحتلال
ولم يكتف الصحافي في الشمال بتغطية الحدث، بل يشارك في إسعاف زملائه وكذلك الجرحى حين يتواجد وقت الحدث، كما فعل مراسل قناة العربي إسلام بدر، وقت إصابة زميله المصور فادي الوحيدي الذي استهدفته طائرات الاحتلال المسيرة برصاصة اخترق رقبته فأسقطته أرضا.
رفض الصحافي بدر أن يقف ساكنا، فترجل من مكانه وهرع ليحمل زميله الوحيدي إلى بر الأمان.
ولا يمكن أن نغفل دور الشهيد الصحافي إسماعيل الغول حين كان يساعد الأطفال وقت نزوحهم إلى مستشفى الشفاء، وكان يخفف عن كبار السن ويطمئن على المصابين.
وبات وجه الشهيد الغول مألوفا ومحببا لدى الصغار، فحين علم الصغير محمد حسونة، باستشهاد أمه الصحافية آمنة حميد وشقيقه، راح ينادي "عمو إسماعيل عمو إسماعيل" ليخبره ما جرى وينقل للعالم الخبر، وقتها لم يتمالك الشهيد الصحافي نفسه وغلبته الدموع ومشاعر الأبوة واحتضن الصغير.
ولأن العمل الصحافي أمانة على عاتق صحفيي الشمال كما يصفون، كثير منهم فضل البقاء دون ذويهم الذين نزحوا إلى المحافظات الجنوبية والوسطى.
قبل شهور وعند اقتحام مخيم جباليا، كان الصحفيون في المقدمة يغطون الحدث وينقلون بواسطة هواتفهم النقالة بالصوت والصورة الإبادة الجماعية، وقتها لم يخفوا مشاعرهم عبر منصات التواصل الاجتماعي واعتبروا تجربتهم المميزة كونها المرة الأولى التي يغطون "حرب الشوارع" على حد قولهم.
ولأن عددهم قليل، تعرض كثير منهم لحملات تهديد من قبل الاحتلال الذي يبرر ملاحقتهم وقتلهم بـ "الإرهابيين" وينتمون للمقاومة الفلسطينية، عدا عن ملاحقتهم عبر طائرات "كواد كابتر" التي كانت تطاردهم بالرصاص من زقاق لآخر.
يقول محمد قريقع مراسل قناة الجزيرة إن مواصلته لعمله رغم الخطر الذي يحدق بهم واستهداف العشرات من زملائه بشكل متعمد، نابع من المسؤولية الاجتماعية تجاه شعبهم الذي يتعرض للإبادة رغم كل المخاطر التي وصلت حد القتل والإصابة.
ويضيف للرسالة:" العمل الصحافي هو رسالة ولو تخلينا عن التغطية ستغيب روايتنا الحقيقة ويستمر الاحتلال بروايته الكاذبة".
يقاطعه الحديث زميله يحيى خضر وهو كاتب صحافي، ليؤكد أنهم يعلمون ضريبة نقل الحقيقة التي يحاول الاحتلال حجبها، لاسيما من خلال استهداف الصحفيين والمنظومة الإعلامية في الشمال.
ويوضح أن الصحفي في الشمال يواصل تغطية جرائم الاحتلال من سياسة التجويع والاجتياح البري وقصف المدنيين، متسائلا: في حال توقفنا واستجبنا لتهديدات الاحتلال من سينقل الرسالة؟، وسيتمادى الاحتلال في جرائمه ويروج روايته الكاذبة.