ودّع قطاع غزة قبل أيام اثنين من قادة العمل الوطني الفاعلين في لجنة المتابعة الوطنية بالقطاع؛ هما الشهيدان القائدان عز الدين كساب، وأيمن عايش؛ في عملية اغتيال صهيونية غادرة استهدفت مركبتهما غربي خانيونس، ضمن حرب الإبادة المتواصلة على القطاع منذ أكتوبر من العام الماضي.
كساب الذي بزغ نجمه في العلاقات الوطنية الفصائلية؛ بدأ نشاطه في تمثيل حركة حماس بالعمل الوطني في محافظة رفح جنوب القطاع؛ ليقدم أنموذجًا في العمل الوحدوي وتوطيد العلاقات بين الفصائل والأحزاب.
ونجح كساب في صناعة حالة شعبية بين كوادر وأنصار الفصائل في المحافظة؛ التي تبنى أبناؤها جميعا بمختلف مشاربهم همومها الوطنية والفصائلية؛ متجاوزين الخلاف السياسي وحدته في المحطات السابقة.
وعزز عز الدين؛ العلاقات مع القوى المجاهدة تحديدا حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية؛ وكان أيضا نشطا في مجال العلاقات العشائرية والمبادرات الشعبية؛ ومثّل أيقونة كما وصفه بذلك في محطات عديدة أستاذه الشهيد زكريا أبو معمر رئيس دائرة العلاقات الوطنية بحركة حماس في غزة.
أبو معمر صبّ اهتمامه بكساب، واختاره مديرا لدائرة العلاقات بغزة؛ تعبيرا عن تقديره لتفانيه وقدرته على إدارة المهام الموكلة إليه، وقدرته في توطيد العلاقات البينية في بيئة العمل الوطني والفصائلي ولجنة المتابعة للقوى الإسلامية والوطنية.
وأولت حماس اهتماما خاصًا بملف العلاقات الوطنية في عهد قائد حماس بغزة الشهيد يحيى السنوار؛ الذي أفرد لقاءات متخصصة مع قيادة الفصائل وأشركها في إدارة ملفات أزمات عديدة بالقطاع.
من أبرز هذه الملفات ملف كورونا وتداعياته على القطاع عام 2019، أشرك السنوار الفصائل جميعا في إدارة الأزمة جنبا لجنب مع قيادة ملف العمل الحكومي، وأقام قنوات فاعلة في إدارة العلاقة بين العمل الحكومي والفصائل الفلسطينية؛ وتوجت بتوحد غير مسبوق فصائليا في إدارة الميدان العسكري والسياسي بمعركة طوفان الأقصى.
مثل كسّاب واحد من هذه الوجوه التي عملت خلف الأضواء في تعزيز هذه العلاقات؛ وكان يمثل الحركة في كثير من الملفات المجتمعية والاجتماعية؛ حتى بات أيقونة وطنية في ملف لجنة المتابعة العليا للقوى والفصائل بغزة.
بجواره وكتفا بكتف؛ كان أيمن عايش؛ الذي ذاع صيته مسؤولا في وزارة الداخلية بغزة؛ عن ملف المؤسسات والجمعيات بالقطاع.
يصفه بعضهم بصعوبة المراس؛ وشدة البأس؛ في متابعة الملفات؛ "كان يؤمن بأن أموال الدعم والمنح القادمة للقطاع هي حق ومستحق للمواطن الفلسطيني؛ ولا يجوز نهبه على أي وجه أو طريقة كانت".
تابع عايش بعناية عشرات الملفات والجمعيات، أوصد بعضها وضيق على أخرى؛ وفتح أبوابا لغيرها؛ والعنوان عدم الاقتراب من المال العام والتأكد من صوابية صرفه في أوجهه المستحقة؛ ليكون سدّا منيعا وحصينا للمجتمع المدني ومؤسساته.
وفي الدورة الأخيرة للمكتب السياسي لحركة حماس، استحدثت دائرة العلاقات الوطنية ملفا متخصصا لإدارة العلاقة مع المجتمع المدني؛ مثلها عايش فيها؛ انطلاقا من مسؤوليته ومتابعته الحكومية التي أرفدته بتجارب مهمة في هذا المجال.
يصف ناشطون عديدون في المجتمع المدني؛ تجربة حماس بالانفتاح المهم في الآونة الأخيرة، وبناء علاقة شفافة وواضحة؛ وتذليل لعديد العقبات التي تواجهها جراء الإجراءات البيروقراطية في بعض الأحيان؛ يقف عايش على رأس ذلك.
ومع الاستهداف الإسرائيلي للمؤسسات الحكومية التي وصلت تدمير 110 مقرات حكومية حتى اللحظة في حرب الإبادة؛ ومع انتشار مكثف لكواليس واتهامات بوجود تجاوزات في أداء جمعيات ومؤسسات بالمساعدات المقدمة لغزة؛ كان عايش يقف على رأس مهامه في إدارة الملف الموكل إليه؛ يتابع بدقة وعناية وبالمرصاد، يصف مقربوه.
ارتقى أيمن وشقيقه وعز الدين معا؛ ونعتهم حماس بوصفهم قادة في العمل الوطني؛ كما نعتهم القوى والفصائل الوطنية؛ التي أكدت أن رحيلهم خسارة كبيرة؛ رحلوا ولا تزال حماس تسير كتفا بكتف بجوار فصائل العمل الوطني والفصائلي في لوحة فسيفسائية تعبر عن جمال المشهد الفلسطيني؛ الذي يرسم صورة النصر الحاسم في هذه المعركة.