لازمت فكرة الخلاص الفردي لغزة طيلة العقدين السابقين؛ لم يخلو النقاش السياسي مع حكامها أو حتى مناوئيها عن فكرة الكيانية السياسية الفلسطينية الكاملة بين جنباتها، لقاء الانكفاء على ذاتها، وأن تنكب على تطوير نفسها واهتمامات أهلها؛ ولا شيء آخر تعود تهتم به.
لا شيء آخر؛ يعني بالمفهوم السياسي الأمريكي والإسرائيلي؛ أن تترك غزة وعثاء سفرها الطويل في القضية الفلسطينية، وأن تتجرد بالكلية من انتباهها واهتمامها لأنياب المشروع الإسرائيلي؛ تتركه يوخز في جسد القضية كيفما شاء و إينما شاء في أي وقت شاء لا شيء آخر.
في هذا التقرير؛ نرصد بالمعلومات أبرز ما عرض على قطاع غزة وحكامها خلال عقدين "حركة حماس"، تحصل فيها على لقمة عيشها بدون عناء؛ ولقاء تطوير مهم في شكل الكيانية السياسية، مطار ربما وميناء؛ ثم عرض شيء أكثر؛ وكان الرد وفق ما تحدث به الشهيد القائد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس وأول رئيس وزراء شرعي منتخب في تاريخ السلطة؛ "العبوا غيرها؛ لا دولة بغزة ولا دولة دونها.
سلك خصوم الحركة؛ سبيلا مشددا لفرض واقع تقبل به بفصل الضفة عن القطاع؛ بدأ من فكرة المواطن الثاني؛ أن يأتي المواطن الوافد من غزة فقط؛ وأيا كان شكل انتمائه ولونه السياسي في الدرجة الثانية من المواطنة حيث إجراءات السلطة الفلسطينية الرسمية؛ ثم حملة تقليصات كان أشدها في العام 2017، لدفع حماس نحو الثمن الأصعب!
ماذا فعلت حماس؛ وبلغة المعلومات؛ تكشف أوساط قيادية مقررة شيئا من تلك العروض التي واكبت "صحيفة الرسالة" كواليسها طيلة السنوات الماضية.
في العام 2017، وبعيد وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في جولته الرئاسية الأولى على سدة البيت الأبيض؛ بدأ المشروع الإسرائيلي تتضح معالم حسمه أكثر فأكثر؛ حين وهب للكيان عاصمة في القدس؛ وقرار بضم الضفة والسيطرة عليها والاستيلاء على 65% من مساحتها بشكل رسمي ضمن تصنيفات بي وسي؛ كما الأغوار وحتى الجولان؛ بجوار محاولات لحسم قضية الأونروا.
حمل ترامب العصا في وجه شعبنا الفلسطيني بالضفة المحتلة؛ وكذلك فعل في قضية اللاجئين؛ كما أنه وافق ضمنيا وجود صيغة تتعلق بشكل التبادل السكاني في الداخل؛ مقابل ذلك كان يحمل جزرا.
الجزرة وفق عرض ترامب؛ جاء عبر الوسيط التركي؛ يعرض فيه على حركة حماس 15 مليار دولار؛ يقول فيها "ابنوا مطارا وميناء، وشيدوا مباني ومدن سكنية عرض فيها مشاركة مؤسساته العقارية الأضخم في واشنطن؛ مع صيغة توافقية مع تمنحون بموجبها جزء كبير من الضرائب والمنح، واستمرار البحث عن إيجاد ممول لمشاريع تطويرية في غزة".
تكشف "الرسالة نت" في هذا التقرير وللمرة الأولى، كواليس هذا العرض الذي وصل لحماس مرتين، أولهما عبر الوسيط التركي وتحديدا عبر الرئاسة هناك، وثانيها عبر وسيط دولي آخر؛ تعهد هو الآخر بفتح كل المؤسسات الدولية في غزة، وجعل مقرها الرئيسي هناك.
في تلك الأجواء التقت قيادة حماس بعديد السفراء الأجانب وممثلي الوفود الأجنبية؛ الذي لمحوا للحركة أن المنح الدولية التي توقف جزء كبير منها في عهد ترامب تجاه غزة؛ ستعود بـ"شيك مفتوح"؛ لقاء الثمن السياسي المطلوب من حماس.
الثمن تبعا للمصادر التي تكشف للرسالة، تمثل فقط في وقف تطوير المنظومة الصاروخية في الحركة، ووضع صواريخها في مخازن؛ مع احتفاظها ببقية الأسلحة الأخرى؛ وأن تعمل الحركة على هدنة سياسية تدرج فيها لاتفاق سياسي، تضع فيه حدا للصراع مع إسرائيل.
مقابل؛ أن تتوقف الحركة أيضا عن دعم المقاومة في الضفة، ورفع يدها عن الخلايا هناك؛ ووقف كل الأعمال المقاومة بغزة؛ والتي عنونت بحماية المقدسات تحديدا المسجد الأقصى؛ الذي تعرض لمحاولات حسم إسرائيلية من خلال مخططات تقضي بقضم مساحات المسجد.
سبق ذلك؛ عروض أخرى؛ في بداية نجاح حركة حماس بالانتخابات السياسية التشريعية عام 2006؛ عرض عليها أن تنضم لمنظمة التحرير فقط بالاعتراف ببرنامجها؛ ودون الزام الحركة ذاتها بالاعتراف بإسرائيل؛ ثم طرح عليها صيغة أخرى مخففة؛ أن تلتزم فقط ببرنامج الرئيس ضمن أي حكومة تنضم اليها، كل ذلك ركلته حماس بقدمها؛ كما قال ذلك يحيى السنوار نفسه رئيس حماس وشهيدها وقائد طوفانها.
يكشف السنوار في لقاء شارك فيه معدّ التقرير؛ أن حركته أيضا عرض عليها ما يسمى بالسلام الاقتصادي؛ من خلال وفود تجارية واقتصادية وشخصيات لمعت في عالم التجارة؛ بعضها عمل مع ترامب والتصق بمشاريع اقتصادية معه، وآخرون يعملون في مشاريع اقتصادية ملاصقة بالاحتلال؛ فقط "نعمل مشاريع مقابل أن يكون هناك أمن في غزة؛ ذلك الأمن بمنع أي عمل مقاوم في القطاع؛ محاولة التفافية لإرضاخ موقف الحركة".
كل شيء يقول لحماس؛ وافقي اقبلي واخلصي لذاتك ولغزة؛ والرد كان واجبا حتميا أن الجغرافيا السياسية الممتدة في فلسطين؛ لا تحدها كانتونات الاحتلال ولا تقسيمات أوسلو؛ وأن الهدف الاستراتيجي للاحتلال في الضفة المحتلة؛ لن يمر مهما كان الثمن؛ وبلغت التضحيات.
آثرت شعبها، وفية كما عرفها تاريخ القضية؛ لا خلاص فردي فيها، ولا شيء يرضيها سوى أن لا ترى دمعة أختها في الضفة أو الداخل؛ وإن كانت هي تنزف دمًا!