"أنا جاي عندكم.. مش مطوّل". بهذه الكلمات همس خالد نبهان، الذي عُرف بمقولته "روح الروح"، وهو يربت على شواهد قبور أحفاده ورفيقه الدكتور محمود الشيخ علي بمقبرة مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.
لم تكن تلك الكلمات عادية، بل كانت وعدًا بلقاءٍ قريب، وكأنّ روحه شعرت بأنّ اللقاء لن يتأخر.
في تفاصيل ما جرى، قال ابن شقيقه سائد نبهان لـ"الرسالة نت": إنّ عمّه ذهب في صباحه الأخير لزيارة قبر رفيقه الدكتور محمود، الرجل الذي شاركه سنوات طويلة من الصداقة، وارتقى قبل أيام في مجزرة في مخيم النصيرات.
هناك، بجوار قبر الدكتور محمود، الذي صادف مكانه بجوار قبرَي حفيديه ريم وطارق، جلس خالد بجوار القبور الثلاثة، مسح بيده التراب عن شواهدها وكأنّه يمسح على أرواحهم الغائبة. بصوتٍ يحمل في نبراته كلّ الشوق والألم، سلّم عليهم، دعا لهم، ثم همس بنبرة تخنقها العبرة: "أنا جاي عندكم.. مش مطوّل".
غادر المقبرة وسط صمت المكان الذي لم يقطعه سوى أنفاسه المثقلة، توقف عند بابها. لم يكن يعلم أن تلك اللحظة ستكون آخر ما يراه.
فجأةً، استهدفت قذيفة مدفعية إسرائيلية بيتًا قريبًا من مقبرة القسام التي كان يقف على بابها، فانهار جزء من المبنى عليه.
لم تكن المسافة طويلة بينه وبين قبور أحبته، ولم يحتج إلى وقتٍ ليصل إليهم؛ فقد ارتقى خالد شهيدًا في نفس المكان الذي ودّع فيه أحفاده ورفيقه.
كانت ريم، تلك الطفلة الصغيرة، البسمة التي تعانق قلب جدها، والروح التي تضيء حياته. أحبها خالد كما يحب الجد حفيدته، وكان يحلم لها بمستقبل أكثر إشراقًا من واقعها المليء بالحروب والدمار. لكن في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، تحطّمت تلك الأحلام حين استشهدت ريم مع شقيقها طارق إثر قصف إسرائيلي استهدف منزلًا قريبًا من بيتهم.
لحظة وداع ريم وطارق لم تكن مجرد وداع لجسد صغير، بل كانت وداعًا لجزء من روح الجد. حملها بين ذراعيه وكأنّه يحاول أن يحتفظ بقطعة من حياته التي غادرت. كانت كلماته "ولكم هذه روح الروح" صدى لحزن أعمق من أن يوصف.
لكن المأساة لم تتوقف عند استشهاد ريم وطارق، بل امتدت لتشمل الجد نفسه.
في وداع هز مشاعر الآلاف حول العالم وفتح عزاءً على منصات التواصل الاجتماعي، انتشر مقطع الفيديو الذي يظهر فيه الجد خالد وهو يحتضن حفيدته الشهيدة، مودّعًا إياها بحرقة وألم، كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي.
آلاف الأشخاص نعوه، وأعادوا نشر المقطع مرات لا تُحصى، تعبيرًا عن حزنهم. كان عزاءً رقميًا مفتوحًا على كل منصة، حيث امتلأت الصفحات بمنشورات تستذكر الجد وحفيدته، وتعالت المنشورات التي تصف الجد بأنه رمز للصمود الفلسطيني