أصبح الصحفيون هدفًا مباشرًا للاحتلال وطائراته منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023. حيث أضحى العمل الصحفي في القطاع حديثًا ذا شجون وضربًا من ضروب البطولة والفداء، وبمثابة خط دفاع أول في مواجهة محاولات طمس الحقيقة.
قصف، اعتقال، ملاحقة، وتهديد؛ كلها ممارسات ينتهجها الاحتلال بحق الصحفيين في القطاع بشكل متعمد، في محاولة لإسكات صوتهم ومنعهم من نقل حقيقة المجازر التي تُرتكب بحق المدنيين، على مرأى ومسمع العالم، غير آبهٍ بكل النداءات العالمية بوقف قتلهم وحمايتهم وفق القانون الدولي.
ولم تتوقف معاناة الصحفيين عند هذا الحد، بل واجهوا، كغيرهم من المواطنين، كل أصناف الموت البطيء والنزوح المتكرر، والتجويع، ونقص الماء والدواء، والحصار. علاوة على انقطاع شبكات الإنترنت والهواتف، لمنعهم من نقل صورة المجازر المروعة التي تُرتكب بحق المدنيين والأطفال.
يُشار إلى أن الإجرام الصهيوني أسفر عن استشهاد 196 صحفيًا وصحفية، إلى جانب إصابة واعتقال العشرات منهم، وفق ما وثّقه المكتب الإعلامي بغزة.
وكان آخر الشهداء الزميل الصحفي حازم أبو عرقوب، الذي استُشهد مع زوجته في غارة إسرائيلية على خان يونس، جنوبي قطاع غزة.
وتعكس الهجمات على الصحفيين ممارسة متعمدة تهدف إلى إسكات صوتهم، كون وسائل الإعلام في غزة عنصرًا أساسيًا في توثيق الأحداث ونقلها للعالم، لفضح جرائم الاحتلال.
لماذا يستهدف الاحتلال الصحفيين؟
السؤال المطروح: لماذا يستهدف الاحتلال الصحفيين رغم أن كل القوانين الدولية تضمنت حمايتهم في مناطق النزاعات؟
تنص القوانين الدولية، ولا سيما اتفاقيات جنيف، على اعتبار الصحفيين مدنيين يجب حمايتهم خلال النزاعات المسلحة. ومع ذلك، تُظهر الوقائع على الأرض في غزة غيابًا شبه كامل لهذه الحماية، مما يستدعي تدخلًا عاجلًا من المجتمع الدولي لضمان محاسبة الجهات المسؤولة عن هذه الجرائم.
والحقيقة أن الاحتلال يحاول تغييب التغطية الإعلامية التي تعكس واقع الحياة في غزة ومجازر الإبادة ومعاناة الشعب الفلسطيني، كما يقول مدير المكتب الإعلامي بغزة إسماعيل الثوابتة.
وقال الثوابتة لـ"الرسالة": "الصحفيون هم شهود العيان الذين ينقلون الصورة الحقيقية لما يحدث على الأرض وفي الميدان."
وأضاف: "وبالتالي، فإن استهدافهم بشكل منهجي لا يهدف فقط إلى إسكات أصواتهم، بل إلى تعتيم المشهد وطمس الجرائم والاعتداءات التي يتعرض لها المدنيون."
ويسعى الاحتلال، من خلال استهداف الصحفيين، إلى تغييب التغطية الإعلامية وخلق فجوة معلوماتية، مما يتيح المجال للروايات المضللة والمشوهة للهيمنة على الفضاء الإعلامي العالمي، وفق الثوابتة.
ويقول الثوابتة: "عندما يشعر الصحفي بأن حياته مهددة أثناء أداء واجبه المهني، فإن ذلك يزرع حالة من الخوف والرعب، ويجعل البعض يحجمون عن تغطية الأحداث من قلب الميدان، ما يُضعف القدرة على نقل معاناة المدنيين ويشوه الحقائق."
ولفت الثوابتة إلى أن الصحفيين يعملون في ظروف استثنائية وبالغة الخطورة، حيث يتعرضون لخطر الاستهداف المباشر والقتل المتعمد، وفقدان المعدات، وتدمير المقرات الإعلامية، والانقطاع المستمر لخدمات الكهرباء والإنترنت. ورغم ذلك، يواصلون أداء واجبهم المهني والأخلاقي بشجاعة نادرة قد تكون الأولى على مستوى العالم.
وربما يسعى الاحتلال، من خلال قتل الصحفيين، إلى التأثير على الرأي العام الدولي وإضعاف الوعي الجماهيري، حيث يمثل الصحفيون الجسر الذي يوصل صوت المضطهدين إلى العالم.
كما أن استهداف الصحفيين، وفق الثوابتة، يحرم المجتمع الدولي من معرفة حقيقة ما يجري من مجازر وجرائم إبادة جماعية، ويترك المجال لروايات أخرى منحازة. ويتعمد الاحتلال تدمير المؤسسات الإعلامية والوسائل التي يعتمد عليها الفلسطينيون لنقل الأحداث وتوثيقها.
ويدرك الاحتلال مدى خطورة الصحافة الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي وقدرتها على كسر الحصار الإعلامي الذي يحاول فرضه على الشعب الفلسطيني. لذلك، يعمل جاهدًا، بالتنسيق مع إدارات وسائل التواصل الاجتماعي، على إغلاق الحسابات المؤثرة وتقييد المحتوى الداعم للقضية الفلسطينية.
وأضاف الثوابتة: "الاحتلال يحاول إضعاف الرواية الفلسطينية وإضعاف تأثيرها على الرأي العام العالمي. لكن رغم هذه المحاولات، وبفضل الإعلاميين والصحفيين، أصبح العالم يدرك الحقيقة الدامغة بأن الضحية هو شعبنا الفلسطيني، وأن القاتل والمجرم هو إسرائيل وجيشها."
ودعا إلى ضرورة تعزيز الجهود المشتركة بين الصحفيين والمؤسسات الإعلامية لمواجهة هذه القيود، وتطوير أساليب مبتكرة للوصول إلى الجمهور. كما طالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته في حماية الصحفيين الفلسطينيين في قطاع غزة، وضمان حقهم في العمل بحرية وأمان وفقًا للقوانين الدولية والإنسانية.
وأوضح أن استهداف الكاميرا والقلم هو استهداف للحقيقة والإنسانية معًا، وهو جريمة لا يمكن السكوت عنها.
وعلى ما يبدو، فإن تعمد الاحتلال استهداف الصحفيين يأتي وفق استراتيجية تهدف إلى التضليل الإعلامي والتلاعب بالسرديات، من خلال إبعاد الصحفيين عن الساحة وتعزيز روايته التي تبرر أفعاله وتقلل من الاعتراف بالمعاناة الفلسطينية.
ورغم كل هذه الممارسات والاستهدافات المستمرة، يتمتع الصحفيون بشجاعة استثنائية ويواجهون تحديات ومخاطر جسيمة لإيصال الصورة وتغطية الأحداث. مؤكدين أنهم ليسوا مجرد ناقلين للأخبار؛ بل هم ضمير العالم الحيّ، وحمايتهم هي حماية للحقيقة وللعدالة الإنسانية.
------------
أدان مركز حماية الصحفيين الفلسطينيين (PJPC) استمرار استهداف الاحتلال الإسرائيلي للإعلاميين في قطاع غزة، مؤكداً توثيق مقتل 66 صحفياً خلال عام 2024 نتيجة الهجمات الإسرائيلية، إلى جانب إصابة المئات واعتقال العشرات.
وأوضح المركز في بيان له أن الجرائم طالت منازل الصحفيين بشكل متعمد، ما أسفر عن استشهاد أفراد من عائلاتهم وأقاربهم. واعتبر المركز أن هذه الممارسات جزء من حملة ممنهجة تهدف إلى إسكات الإعلام الفلسطيني ومنع نقل تفاصيل الجرائم الإسرائيلية إلى العالم.
وأشار البيان إلى أن هذه الانتهاكات تشكل خرقاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك اتفاقيات جنيف التي تكفل حماية الصحفيين والمدنيين أثناء النزاعات المسلحة.
وشدد المركز على أن صمت المجتمع الدولي إزاء هذه الجرائم يشجع الاحتلال على مواصلة انتهاكاته، ويقوض الثقة في النظام الدولي لحماية حقوق الإنسان. ودعا المركز إلى تحرك فوري لوقف هذه الانتهاكات وتقديم المسؤولين عنها للعدالة الدولية.