أسطورة المقاومة أسطورة المقاومة

التعذيب بالجرب: سياسة الاعتقال الجديدة التي منعت إياد من احتضان أمه

التعذيب بالجرب: سياسة الاعتقال الجديدة التي منعت إياد من احتضان أمه
التعذيب بالجرب: سياسة الاعتقال الجديدة التي منعت إياد من احتضان أمه

الرسالة نت- خاص

القدس – "أمي، شو هاظ؟!" تلك كانت صرخة الأم التي لم تجد كلمات تكفي لوصف ما حل بابنها إياد، وهي تتأمل جسده المتشوه بأورام وبقع حمراء مغطاة بالقشور، وهي تبكي بحرقة على حاله. في عيونها حيرة عميقة، تسأل نفسها عن ماهية هذا المرض الغريب الذي ينهش جسد ابنها، وتحاول فهم كيف حدث هذا بينما كان الفتى مجرد طفل يحلم بحياة طبيعية بعيدًا عن كل هذا الألم.

 

إياد دعيس، الفتى المقدسي البالغ من العمر 13 عامًا، الذي اعتقلته قوات الاحتلال في رمضان الماضي من منزل عائلته في مخيم شعفاط بالقدس، لم يكن يعلم أن هذا الاعتقال سيغير مجرى حياته. فقد تعرض خلال فترة سجنه التي امتدت سبعة شهور لمرض الجرب (سكابيوس)، والذي كان يتفاقم يومًا بعد يوم بفعل إهمال السلطات الإسرائيلية في توفير العلاج اللازم له. كان الجرب ينهش جلده ويخترق جسده الصغير، وكان الفتى يواجه معاناة يومية تفوق الوصف.

 

"كنا نحك في أجسامنا حتى ندميها، ونكسر قطعة من البلاط أو حجرًا من الجدار لنحك فيه أجسامنا التي يأكلها الجرب. كان جلدي مشدودًا، والأورام والبقع تزداد، وكنا نتوسل لإدارة السجن أن ترسل من يشخص هذا المرض اللعين وتقدم لنا الدواء، لكننا كنا نواجه الإهمال"، يروي إياد بحزن.

 

وبالإضافة إلى معاناته الصحية، تعرض إياد مثل آلاف الأطفال الفلسطينيين الذين تم اعتقالهم خلال السنوات الأخيرة، لممارسات الاحتلال القاسية. ففي القدس وحدها، تم اعتقال أكثر من 800 طفل فلسطيني في العامين الماضيين. ويخضع هؤلاء الأطفال لاعتقالات جماعية وعقابية، حيث يتعرضون للتعذيب النفسي والجسدي بشكل ممنهج، ودون مراعاة للمعايير الدولية التي تحمي الأطفال. وتستغل قوات الاحتلال اعتقال الأطفال في تجنيدهم لصالح أجهزتها الأمنية، كما تُجبر عائلاتهم على دفع غرامات مالية ضخمة للإفراج عنهم، ما يزيد من معاناتهم.

 

وفي تعبير قاسٍ عن معاناة الأسرى الفلسطينيين المصابين بالجرب، كشف نادي الأسير الفلسطيني عن إفادة لأحد الأسرى الذين أُفرِج عنهم من سجن ريمون (جنوب إسرائيل)، حيث وصف حالته في السجن قائلاً: "إدارة السجن صنفت القسم الذي كنت فيه بـ(الزومبي) بسبب التأثير المروع الذي تركه المرض على أجساد الأسرى المصابين". هذا الوصف يعكس درجة الإهمال الذي تعرض له الأسرى، حيث أصبح مرض الجرب رمزًا للمعاناة والإذلال في سجون الاحتلال.

 

بعد فترة من المعاناة، أُفرج عن إياد في أكتوبر الماضي، ولكنه لم يستطع أن يلتقي بأسرته كما كان يتمنى. فقد كانت حالة مرضه معدية، وكان يخشى أن ينقل العدوى لأحد من أفراد عائلته، فاختار أن يبقى معزولًا في غرفته، يستخدم أدواته الخاصة، بعيدًا عن الجميع. "شهر ما بعد الحرية كان صعبًا جدًا، لم أتمكن من احتضان أمي أو أخوتي، كنت خائفًا أن أؤذيهم".

 

المرض الذي أصاب إياد، والذي رفض الاحتلال معالجته في السجن، ترك آثارًا جسدية ونفسية عميقة. "لقد نجوت من الموت"، يقول إياد. "لقد كنت محاصرًا في جسدي المريض، وكان الألم صامتًا، لكنه كان يمكن أن ينتقل إلى الأعضاء الداخلية، ولولا العلاج الذي حصلت عليه بعد خروجي من السجن لما كنت هنا اليوم".

 

قصة إياد هي واحدة من العديد من القصص التي يرويها الأسرى الفلسطينيين الذين تعرضوا للإهمال الطبي في سجون الاحتلال. كما أكد نادي الأسير الفلسطيني في بيانه الأخير أن إدارة السجون الإسرائيلية تستخدم مرض الجرب كأداة لتعذيب المعتقلين الفلسطينيين، حيث أصبح الجرب أحد أبرز الأمراض التي تظهر على أجساد الأسرى فور خروجهم من السجون، وتسبب لهم معاناة صحية طويلة الأمد.

 

إياد اليوم، ورغم شفاء جسده، لا يزال يحمل آثارًا نفسية وجسدية من هذا المرض. حلمه الوحيد الآن هو أن يعيش حياة طبيعية بعيدًا عن الألم والاعتقالات، وأن يكون طفلًا عاديًا يحتضن أمه بحرية، دون خوف من قيود الاحتلال .

البث المباشر