لم تتوقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي عند حدود القتل والتدمير وتهجير الفلسطينيين، بل امتدت إلى استهداف المساجد والمقدسات الإسلامية في الضفة المحتلة، في تصعيد خطير يعكس سياسات الاحتلال الهادفة إلى محو الهوية الدينية للفلسطينيين.
وفي مشهد جديد من الانتهاكات، أقدمت قوات الاحتلال على إحراق مسجد النصر التاريخي في نابلس، أحد أقدم معالم المدينة، في انتهاك صارخ لحرمة الأماكن الدينية الإسلامية.
ويأتي هذا الاعتداء في إطار سلسلة من الهجمات المتكررة على المساجد في الضفة، لا سيما خلال شهر رمضان المبارك، حيث كثفت قوات الاحتلال اقتحاماتها للمساجد في جنين ونابلس والخليل ومدن أخرى.
ولم يقتصر الأمر على الاقتحامات، بل شمل تدمير بعض المساجد في جنين، وإحراق أخرى في نابلس، إلى جانب الاعتداء على المصلين وإطلاق قنابل الغاز والصوت داخلها.
يُعد مسجد النصر من أبرز المعالم التاريخية والأثرية في مدينة نابلس، إذ تعود أصوله إلى العصر الروماني حينما كان كنيسة، لكنه تحول إلى مسجد عام 1187 بعد انتصار المسلمين على الصليبيين.
تصعيد خطير وعدوان على المقدسات
وأكد الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، الدكتور مصطفى البرغوثي، أن إقدام قوات الاحتلال على إحراق المساجد في الضفة، خصوصًا خلال شهر رمضان المبارك، يمثل تصعيدًا خطيرًا وعدوانًا صارخًا على المقدسات الإسلامية.
وأوضح البرغوثي، في حديثه لـ"الرسالة"، أن هذه الجرائم تكشف عن النهج الاحتلالي الساعي إلى استهداف الهوية الدينية والوطنية للشعب الفلسطيني، مشيرًا إلى أن إحراق مسجد النصر التاريخي في نابلس يعكس تعمد الاحتلال المساس بحرمة دور العبادة في توقيت حساس.
وأشار إلى أن هذه الجرائم تأتي ضمن سلسلة الانتهاكات اليومية التي يرتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته، لافتًا إلى أن هذه الاعتداءات تتزامن مع تصعيد غير مسبوق للعدوان على المدن والمخيمات الفلسطينية.
وشدد البرغوثي على ضرورة التحرك الدولي العاجل لمحاسبة الاحتلال على هذه الجرائم، مطالبًا الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي باتخاذ موقف حازم لوقف الاعتداءات على المقدسات الإسلامية.
جريمة حرب مكتملة الأركان!
لم يكتفِ الاحتلال باقتحام المساجد، بل دنّسها واعتدى على محتوياتها، حيث شملت الاعتداءات:
مسجد الساطون في حارة الياسمينة
مسجد عجعج في شارع الباشا
المسجد الصلاحي الكبير في السوق الشرقي
مسجد التينة في حارة القريون
مسجد النصر في باب الساحة
مسجد البيك في شارع النصر
وجميعها تقع في مناطق مختلفة من البلدة القديمة في نابلس.
تصريحات حركة حماس
وقال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، عبد الرحمن شديد، إن إقدام الاحتلال على إحراق مسجد النصر التاريخي في نابلس يُعد "جريمة حرب مكتملة الأركان"، ويمثل استهدافًا ممنهجًا للمقدسات الإسلامية في فلسطين، خاصة خلال شهر رمضان المبارك.
وأكد شديد، في تصريح صحفي وصل "الرسالة" نسخة عنه، أن هذه الجريمة تأتي ضمن العدوان المستمر على المساجد ودور العبادة، حيث تكررت الاعتداءات في الضفة، بما في ذلك مدن جنين والخليل والقدس، في إطار سياسة تهويدية تسعى إلى طمس المعالم الإسلامية والتاريخية.
وأشار إلى أن حرق مسجد النصر، أحد أقدم المساجد في فلسطين، يكشف الوجه الحقيقي للاحتلال الذي لا يكتفي بقتل الفلسطينيين وتهجيرهم، بل يستهدف مقدساتهم أيضًا، في تحدٍ صارخ لكل القوانين والمواثيق الدولية التي تحمي دور العبادة.
وجدد القيادي في "حماس" تأكيده على أن هذه الاعتداءات لن تضعف إرادة الشعب الفلسطيني، بل ستزيده إصرارًا على التمسك بحقوقه والدفاع عن أرضه ومقدساته، لأن القضية الفلسطينية ليست مجرد صراع سياسي، بل معركة وجود وهوية.
كما دعت حركة "حماس" جماهير الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس والداخل المحتل إلى تصعيد كل أشكال المقاومة، والتوجه إلى المسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي، لصد عدوان الاحتلال على المساجد والمقدسات.
وقالت الحركة، في تصريح عبر موقعها الرسمي: "عدوان الاحتلال على المساجد في رمضان، وما شهدناه من اقتحام قوات الاحتلال ومستوطنيه للمسجد الأقصى، ومحاولات تهويده، إلى جانب مواصلة الاستيلاء على المسجد الإبراهيمي وتدنيس وحرق عدد من المساجد في نابلس، هو إمعانٌ في الحرب الدينية التي يشنها الاحتلال ضد المقدسات الإسلامية في فلسطين".
حملة تطوعية لإعادة إعمار المسجد
وفي إطار الرد على هذه الجرائم، شارك مئات من أهالي مدينة نابلس في حملة تطوعية لإعادة إعمار "مسجد النصر" التاريخي في البلدة القديمة، بعد إقدام جنود الاحتلال على اقتحامه وإضرام النار فيه، فجر الجمعة.
وتوجه مئات النشطاء، ورجال الأعمال، والتجار، وعائلات الشهداء إلى المسجد لتنظيفه، وتجديد سجاده، وإزالة آثار الحريق، وإعادة تأهيله لإقامة الصلوات فيه مجددًا.
تصعيد الاحتلال في الضفة
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، صعّد جيش الاحتلال والمستوطنون اعتداءاتهم في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس المحتلة، مما أدى إلى:
استشهاد نحو 930 فلسطينيًا
إصابة قرابة 7,000 شخص
اعتقال 14,500 فلسطيني
ويواصل الاحتلال استهداف الفلسطينيين، ليس فقط بأرواحهم، بل بمقدساتهم وهويتهم الدينية والتاريخية، في محاولة لفرض واقع جديد على الأرض، وسط صمت دولي مستمر.