أسطورة المقاومة أسطورة المقاومة

"فرحة مبتورة... الشجاعية تعود لمشهد النزوح من جديد" 

الرسالة نت - كارم الغرابلي 

لم تدم فرحة سكان حي الشجاعية طويلاً بعودتهم إلى منازلهم بعد إعلان وقف إطلاق النار في التاسع عشر من يناير الماضي. بالكاد لامست أقدامهم عتبة بيوتهم، حتى اخترق دوي القصف صمت الأمل، ليعيد الحي إلى واجهة الحزن والموت من جديد.

ففي تكرار مأساوي للمشهد، عاد جيش الاحتلال ليصُبّ نيرانه على قطاع غزة، ضاربًا عرض الحائط بكل المواثيق الدولية، ليجد الأهالي أنفسهم أمام فصل آخر من فصول النزوح والدمار.

تصاعدت الصواريخ على بيوت بالكاد وقفت على أعمدتها، وتحولت الأزقة إلى ممرات للدخان واللهيب، فاضطر السكان إلى الفرار مجددًا، حاملين أطفالهم وذكرياتهم بحثًا عن مأوى لا تصله ألسنة النار.


مزيج من التكبيرات ودموع الفزع، وصراخ الأطفال المهزوزين، بات المشهد اليومي في شوارع الشجاعية المنكوبة، التي بالكاد لملمت جراحها، لتجد نفسها من جديد تنزف. حتى المدارس التي استضافت النازحين، والعيادات التي بالكاد تسعف المصابين، لم تسلم من آلة الحرب، لتزداد المعاناة خنقًا وسط حصار الموت، بلا مأوى أو دواء أو كسرة خبز.

الحاج أبو خليل عياد، البالغ من العمر 67 عامًا، وقف باكيًا أمام بوابة مستشفى المعمداني وقال:"خرجنا نحمل الأمل، لكنهم لم يمنحونا فرصة لنلتقط أنفاسنا. هذه ليست حربًا، هذه إبادة... يريدون محو كل شيء، حتى أحلامنا."

أما أم محمد جندية، التي كانت تقيم مع أطفالها في إحدى مدارس الحي المستهدفة، والتي فقدت أكثر من 80 فردًا من عائلتها قبل أيام، فصرّحت بمرارة:
"هربنا من الموت، فوجدناه في المدرسة. لم نعد نعرف أين الأمان. طفلي يسألني كل ليلة: ماما، هل سنموت اليوم؟"

أبو رامي عبيد، ربّ أسرة نازحة، يروي لحظة الفرار من منزله:
"كان الوقت قريبًا من الفجر حين سقط صاروخ بجوار بيتنا. لم نأخذ سوى الأطفال وبطانية واحدة. زوجتي كانت تصرخ، وابنتي نائمة في حضني. مشينا وسط الدخان والدماء والركام، لا نعلم إلى أين."

في خيمة بساحة فلسطين، تقيم أم محمد حلس مع أطفالها الخمسة، تقول بنبرة خافتة:
"ينام أطفالي على الأرض، وغالبًا ما نقضي اليوم دون طعام. ابني الصغير مريض، ولا دواء. الحرب لا تسرق الأرواح فقط، بل تسرق كرامتنا أيضًا."

ورغم كل هذا، لا تزال روح الصمود تسكن في كلمات الشاب محمد اسبيتة، الذي فقد والده وشقيقه تحت القصف، لكنه يرفض الرحيل:
"مهما دمروا، سنعيد البناء. هذه أرضنا، وهذا وطننا... لن نغادر."

الشجاعية اليوم، رغم أنقاضها، تظل عنوانًا للصمود والبطولة. تقف جريحة... لكنها شامخة، مثقلة بالحزن... لكنها مشتعلة بالأمل. فليل الظلم إلى زوال، وصباح النصر لا بد أن يطل.

`
البث المباشر