لم أنم بالأمس
يا أمي.
لم أذق طعم الغفوات
هو عيد الأم
انتظرته كما انتظره منذ سنوات
ما أصعب أن يكون العيد انتظاراً
ثم تحوله الأقدار إلى ذكريات
وأنت تعلمين تماماً
ما معنى انتظار البسمات
لعيد تحول في لحظة إلى حلم طويل
اركض فيه كما تركض التلميذات
لأشتري باقة من الأزهار ملونة
مبهجة.. ألحنها بأجمل النغمات.
...
لم يأت العيد هذه المرة..يا أمي..
ولم اشتري أزهاراً حلمت بها كما في كل المرات
ومررت أمام الأبواب جميعها
ونظرت إلى ضحكات الفتيات
بعيون مشتاقة
كعيون طفل مليئة بالحسرات
لأولئك الراكضون إلى أحضان دافئة
وسألت نفسي
أيهم له أم مثل أمي ، وقد فقدت حنان كل الأمهات
وعدت إلى مرآتي كما أعود دوماً
تغيرت ملامح وجهي، تغيرت في كل الصفات
وحدها ترانيم رضاكِ، تلوح حولي
هل يستطيع الإنسان العيش بالدعوات؟!
تعود إلى ذهني وصاياك الكثيرة..
تزيد شوقي، وأبحث عن صوتك في حنايا روحي
فتزاحمه مئات الأصوات
لنسوة يبكين حولي، على روح رحلت بدون مقدمات
الموت يا أمي..الموت يا أمي
..
هو صمت وحيد لذلك القلب الذي
ما عادت تنتظم بداخله الخفقات
..
هل تعلمين يا أغلى ما فقدت في دنياي
هل تعلمين يا أرق الحنونات
حزنت يوماً لسفرك
بكيت بكيت مئات المرات
بكيت لبعدي عنك
أبكاني وجع الشوق لرأياك مئات المرات
لكنه الموتُ هذه المرة يا أمي
ذلك الذي لم يخطر ببالي في أي من اللحظات
هل تمحو أوجاعه أي من الكلمات
..موتك..أتى صامتا وحيداً هادئاً، غريباً، مسالماً، مكتوم العبرات
يشبهك أيضاً في كل الصفات
رحلت وحيدة..بدون ضجيج..بدون دموع.. بدون سلام..بدون أي من القبلات
هل هكذا تكون النهايات
...
وبدأت أعيد مئات الحسابات
وأعد أرقاماً وأقيس سطوراً طويلة وحيدة في ركن غرفتي الباردة
عن تلك الأشياء الكثيرة التي رحلت معك، أيضاً دون إنذارات
عن تلك الترانيم التي لم تغنى، مكبوتة في صدري
أترى هكذا يكون الممات؟!
ينسل إلينا، كلص خبيث، يطوف بأرجاء منزلنا
يسرق منا أجمل الضحكات
هل هذا هو الموت يا أمي؟!
كيف يقولون أن له قبل المجيء علامات؟!!
...
أين البسمات
أين الزهور المعلقات في الشرفات
موتك جاء كزلزال حطم كل الأحلام والفرحات
علمني درساً مجروحاً، علمني كيف يكون موت الأمهات
لن أقول هنيئا بالعيد
فقد سُرق العيد يوم سُرقت
وسُرقت معك أجمل الدعوات
