أسير قسامي مريض: هكذا عذبوني

 الضفة المحتلة – الرسالة نت

فيما يلي نص رسالة مؤثرة بعث بها الأسير القسامي أحمد النجار من بلدة سلواد شرق رام الله، خضع لعملية جراحية في مستشفى سجن الرملة فقد خلالها القدرة على الكلام..

"الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من والاه وبعد..

إخوتي الأحبة أحييكم بتحية الإسلام العظيم، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. بعد التحية إليكم أشواقي، فارقتكم وكان ذلك التاريخ آخر حزني لأن فيه آخر كلامي، وسرت مع سجاني لاستئصال كلامي، دعوت الله وكان الإيمان زادي والحمد سقاري والصبر سلاحي.. فيما أنا على سريري أنتظر مصيري المعلوم لدي ولم يكن يشعر بي من كان حولي.. كنت كجريح يشكو جرحه لوحوش كاسرة وطيور جارحة.

جاءني الطبيب وقال لي إنه سيقوم بفتح فتحة لأتنفس منها حتى أستطيع الحياة، فقلت: الحمد لله، فقال: سنستأصل الأوتار الصوتية، فتغرغرت عيناي لا لشيء إلا لأنها حبل الوصال مع الأهل والأحبة، ثم عاد فقال: سنستأصل الحنجرة، فقلت: الحمد لله، ثم عاد فقال: سنستأصل الغدد الليمفاوية، فقلت: الحمد لله، ثم قال: سنستأصل الغدة الدرقية، فقلت: الحمد لله، ثم عاد فقال: سنحول شريانا من صدرك لمكان آخر، فقلت: الحمد لله، ثم عاد فقال: سنغلق مجرى التنفس من طريق الفم والأنف وستتنفس من فتحة على الرئة مدى الحياة، فقلت: الحمد لله.. ثم دعوت الله وتشهدت شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وكان هذا آخر كلامي..

وبعد أن أفقت جاءني السجان ساخراً فقال لي: اليوم يوم ميلادك، ولم يكن يخطر ببالي فآلامي كانت تغلب عليّ، ثم قلت في نفسي: الحمد لله جعل اليوم الذي ولدت فيه لا أتكلم فيه كأنني مولود عدت فيه لا أتكلم، إلا أنني عندما ولدت كنت أبكي بصوت عال كلما احتجت حنين أمي، وأنا اليوم عنه أريد أن أهب الحنين لابنتي التي حرمت أباها بالأسر، أبكي وقلبي ودمعي دم وحرمان بمثابة سلب المشاعر، فبعد أن أصبحت عاجزاً عن الكلام كان اللقاء بها، لم أستطع إيصال عبراتي أو عباراتي، حتى كلمة "أحبك" التي اعتدت أن أستقبل بها طفلتي، وكلما وعدتها أصبحت عاجزاً عنها فلا أحاكيها وتبقى تلهو وبين يديها أيام الدموع، عيناها وسمات الحقد تكبر كلما كبرت "ويحك سجان أبي ما أظلمك"، أعبر لها بعيوني لكنها ما زالت تجيد لغة العيون حتى تدمع فأعانقها، ذاك هو اعتذاري لها فتدرك بأنه حان الوداع وابتسمت ابتسامة، أيقنت أن الزيارة موشكة أن تنتهي وبيدي تمسك زوجتي، أخرجت من أحزان قلبي أفراحهم، فكانت الأنس لقلبي حين حاولوا إسكاتي واستئصال فانوس الود بيننا دون أن يدركوا أن لغة العيون بيننا أبلغ من الكلام، وفي قلبي العاشق تسكن، فإن استأصلوه مات الاثنان..

تسألني أخي: كيف أصبحت؟ هل أعاني أم مرتاح أم منزعج أم أتألم أم مكروب أم أتوجع.. أقول لك: الحمد لله الذي ابتلاني وجعل مصيبتي في بدني ولم يجعلها في ديني، وعاهدت الله ألا أتذمر أو أشكو مصيبتي لإنسان وألا أحدث موجعي، أتجرع مصيبتي بصبر وصمت، أرى في محني منحة وفي بليتي عطاء.. قاومت الضغط حتى لا يسخر مني سجاني، وتسلحت فكان الصبر سلاحي فقهرته وكان الله في عوني، فلا تنسوني من دعائكم..

المشتاق إليكم، العبد الفقير إلى الله..

 أحمد حامد مصطفى النجار

23/3/2011 - من مستشفى سجن الرملة

البث المباشر