بائع الكعك .. أحلام بسيطة بامتلاك قوت يومه

 

غزة - ميرفت عوف

من منا لا يصحو على صوت بائع الكعك ينادي "كعك كعك .. عوقا عوقا"، الصغار وهم الأكثر سعادة بهذا الصوت يسارعون إليه بمصروفهم الجيبي مع بكرة الصباح ويشترون الكعك لتناول الفطور به .

بعضهم وببراءة يُوقف هذا الرجل دون امتلاك النقود ودون سماح الأم له بالشراء, فتراه بصدر واسع يتقبل هذا الموقف ويضحك منه، والبعض أيضا قد يُزعج من صوته فيطالبه بالكف عن المناداة بحجة أنه يريد أن يواصل نومه ، مواقف كثيرة تمر بهذا البائع ، لكن بالتأكيد سيظل رجل أبي إلا أن يسعى على قوت أهله ولو بمردود قليل , في وقت تمرد فيه الكثير من شبابنا على العمل الشريف قليل الدخل وظل حبيس الفقر يبتغي مساعدة من هنا أو صدقة من أخ أو قريب .

بائع الكعك .. هو ذاك النموذج الشريف الذي حرص على جلب الرزق لأسرته بعرق جبينه ، رجل أحلامه بسيطة لا تتعدى أن يحظى صغاره بملابس العيد أو ملابس المدرسة الجديدة ، أو ينعم أهله بأكلة طيبة كثيرا ما سمعوا عنها من أفواه الرفاق ..

" الرسالة " استوقفت اثنين من بائعي الكعك للوقوف على طبيعة حياتهم ومعاناتهم وأحلامهم وحكاياهم  ...

من المخبز للناس

يصحو في الثانية والنصف بعد منتصف الليل ثم يذهب الى المخبز الكائن في منطقة الفالوجا ، من هناك يشتري الكعك ويتوجه به إلى مخيم الشاطئ حيث اعتاد البيع هناك .

عندما يصل المخيم تكون الساعة قد قاربت على موعد صلاة الفجر يقف هناك أمام إحدى المساجد لبيع المصلين عند الخروج من الصلاة ، ثم بعد ذلك يبدأ بجر عربته للبيع في الأزقة والشوارع .

بائع الكعك أبو محمد الجعيدي - 40 عاماً  - هو أبُ لستة من الأبناء " أربع بنات وولدين "، هم كل حياته ونور مستقبله المشرق بإذن الله بإنجازاتهم،

يقول أبو محمد :" فقدت مصدر زرقي جراء الحصار".

لم يتمرد أبو محمد على أي عمل شريف وبدأ ينفذ اقتراحا لبعض رفاقه ببيع الكعك وهو مستعد دائما لمواصلة العمل حتى لو بربح قليل ، المهم أن لا يبقى جليس المنزل يتحسس فرصة للمساعدة من هنا أو هناك  .

كله خير

أبو محمد لا يريد أن يكون ابنه الأصغر عبد الفتاح – 4 سنوات – محتاجا لشيء ما دون أن يجتهد في تلبيته بكل ما أوتي من قوة ، يقول للرسالة :" الأسرة ممكن أن تعيش بـ400 شيكل يوميا ، وممكن أن تعيش بـ 20 شيكل ،  المهم هنا أن نتوكل على الله الكريم في تدبير احتياجاتنا الأساسية  "، ويضيف :" أحياناً يكون في السوق أنواعا من الفاكهة  أغمض عيني عنها، بعد أن كنت أول من يدخل الفاكهة إلى بيتي ، لكن تمر الأيام وينخفض السعر فأشتري لأبنائي حسب قدراتي ".

أصعب اللحظات تمر على أبو محمد هي تلك التي لا يستطيع فيها أن يوفر حاجة ما لأبنائه ، والمواقف التي مرت على هذا الرجل كثيرة ، لكنه يتذكر دائما كيف عاني للحصول على 50 شيكل لشراء بعضا من مستلزمات المدارس لأبنائه ، واستدانها من صديق له ، ويقول: وأنا في طريق العودة وجدت ابنتي التي كانت برفقتي خاتما قديما وأخذت تلهو فيه وعندما وصلت للمنزل اكتشفت زوجتي أنه مصنوع من الذهب ، فقمنا ببيعه وكانت الهبة من الله الكريم أن ثمنه 300 شيكل  أخذت منها 50 وأعدتها لصديقي  ".

رغم كل المعاناة ما يزال أبو محمد يسكنه الأمل  بأن يحصل على مبلغا من المال لشراء ماكنة خياطة واستئجار محل صغير يقوم فيه بتصليح الملابس للناس وهو عمل بالتأكيد سيريحه من العمل الشاق في بيع الكعك .

حسن ..بائع الكعك

بالقرب من دوار السرايا ، كان يقود السيد حسن " أبو محمد " دراجته التي تحمل فرشا محملا بأنواع من الخبز ببطء، فالوقت يقترب من الظهيرة وهذا يعني أنه مر على يوم عمله أكثر من ستة ساعات.

يقول حسن أن يومه شبيه بأيام معاناة عمال الخط الأخضر على معبر "بيت حانون " من حيث الوقت والجهد الكبيرين لتحصيل لقمة العيش ، لكن في الربح الوضع مختلف بالتأكيد, فبالكاد  يستخلص حسن  " 20 شيكلا " كيومية له .

ويضيف أبو محمد :" المضطر الذي يعرف قيمة العمل لا يرفض أي عمل شريف ، هناك كثير من الناس يموتون في الأنفاق من أجل لقمة عيش أبنائهم، وهو عمل خطر ، فكيف لي لا أبيع الكعك وهو عمل شاق لكنه أكثر أمانا ".

هموم حسن  كثيرة ومتراكمة لكنه يحزن جدا عندما يتذكر أن ابنه " محمد " الذي تخرج قبل عامين من الثانوية العامة لا يمتلك الفرصة للالتحاق بالجامعة كونه لا يمتلك المال ، هذا كان جل ما يُشغل أبو محمد رغم وضعه الصعب فهو توقع لابنه أن يدرس في الجامعة ومن ثم يحصل على وظيفة تجعله عونا وسندا لأسرته التي أضناها الفقر وقصر ذات اليد.

ربما لا يحسن هذا الرجل الحديث بدقة عن معاناته التي حشرته بها ظروف الحصار وفقر المعونات التي من الممكن أن تعين الفقراء على العيش بكرامه ، لكن رحمة الله الواسعة هي التي تحتوي الفقراء في هذا المجتمع .

البث المباشر