قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: فنّ إدارة المعركة

الاتجاه التحليلي الأقرب إلى الواقع يشير إلى أن التصعيد الميداني أضحى سمت المرحلة المقبلة، وأن "إسرائيل" تمضي وفق خطة مبرمجة بهدف استعادة الردع المفقود وفرض قواعد جديدة للعبة مع المقاومة الفلسطينية.

ما تمارسه "إسرائيل" من اغتيالات متفرقة ضد ناشطي المقاومة يشكل الحلقة الأولى في سلسلة التصعيد، فالأمور لا تقف عند حدّ العمل الموضعي الذي يخضع للضبط والسيطرة، إذ أن خطورة واقع التصعيد الإسرائيلي الراهن يكمن في استدراج فصائل المقاومة للرد في إطار متوالية من الفعل وردّ الفعل التي قد تتدحرج رغما عن إرادة الطرفين على شكل كرة ثلج وصولا إلى ذروة التصعيد الذي يضع في دائرة استهدافه أهدافا حساسة ذات مستويات رفيعة، ويرفع من سقف المواجهة والتصعيد إلى درجات عالية.

قرار التصعيد هو قرار إسرائيلي بامتياز، فـ"إسرائيل" هي التي تملك مفاتيح التهدئة والتصعيد في آن، ولن تتمكن قوى المقاومة، وعلى رأسها حماس، من الحفاظ على مسيرة التهدئة الهشة طويلا في ظل استمرار الاستهداف الإسرائيلي.

قدرنا، كفلسطينيين، أن نتكيف مع أشكال المواجهة والصراع مع الاحتلال، وأن ندفع ثمن الكرامة وضريبة الحرية من دماء مقاومينا ومقدرات شعبنا، إلا أن الاستعداد للتضحية والعطاء شيء، وفن إدارة المعركة مع الاحتلال تقليلا للخسائر إلى الحد الأدنى شيء آخر تماما.

لا نريد أن ننجرّ إلى معركة غير محسوبة مع الاحتلال الذي يتفوق علينا تكنولوجيا وفنيا من الألف إلى الياء، لكننا نستطيع أن نحسن إدارة المواجهة وفن التعامل مع التصعيد المتوقع بعيدا عن الثغرات الحاصلة وضعف التخطيط والتنظيم، ونحرم الاحتلال من تحقيق أهدافه المتوخاة، أو نجعل من إدارته لمعركة التصعيد ضدنا أمرا صعبا دونه الكثير من الجهد والعنت والتكاليف على أقل تقدير.

بإمكاننا أن نجترح منهجية مدروسة في التعاطي مع التصعيد الإسرائيلي، وأن نتخذ من الخطوات والوسائل والاحتياطات ما يجعل المهمة الإسرائيلية ضد غزة ومقاومتها أكثر صعوبة.

وحدة الموقف الميداني من جانب قوى المقاومة تشكل أول الخطوات المنهجية التي تبتغي ضبط إيقاع الرد والفعل المقاوم بحيث ينطلق في الوقت والزمان المناسبين في ضوء تقدير المصالح العليا لشعبنا الفلسطيني وحماية مقدراته الوطنية.

لا يكفي امتشاق موقف إعلامي فحسب، بل إن هذه الخطوة تستلزم تشكيل غرفة عمليات عسكرية موحدة لنقل الأفكار المجردة إلى واقع عملي قابل للتطبيق.

الاحتياطات الأمنية تتصدر أيضا قائمة الأجندة المنهجية في مواجهة التصعيد المتوقع، وهذه الاحتياطات ينبغي أن تتوسل بقدر كبير من العمق والشمول والالتزام بعيدا عن التهور والاستهتار المرتبط لدى البعض بشجاعة زائفة وجرأة في غير محلها.                

ولئن أردنا صبغ هذه الخطوة بالفعالية المطلوبة فإن سرية أماكن اختفاء القادة والكوادر، سياسيين وعسكريين، وتنقلاتهم المختلفة، ينبغي أن تكون مطلقة، مع ضرورة الامتناع التام عن استخدام وسائل الاتصال الحديثة تحت أي مبرر كان، واللجوء إلى وسائل الاتصال البدائية في إطار خطة أمنية محكمة ذات بدائل ومستويات عمل واجبة التنفيذ.  

الأداء الداخلي يشكل حجر الزاوية في سياق فن إدارة معركة التصعيد مع الاحتلال، إلا أن الأداء الخارجي لا يقل خطورة وحساسية وأهمية لكبح حدة ودرجة ومفاعيل أي عدوان إسرائيلي متوقع.

نستطيع تحشيد موقف مصري – تركي ضاغط للعمل على الحلبة الدولية في مواجهة سياسة التصعيد الإسرائيلية، كما نستطيع تحريك الرأي العام في أكثر من منطقة عربية وإسلامية لجهة الضغط على صناع القرار للتدخل من أجل لجم شهوة العدوان الإسرائيلي، ومنع "إسرائيل" من استثمار الانشغال الدولي في معمعة الثورات العربية لتنفيذ أجندتها العدوانية وتصفية حساباتها مع الفلسطينيين.

لسنا في معرض توجيه النصائح لقوى المقاومة، إذ لديها من المفكرين والمخططين الاستراتيجيين الكثير، لكننا نأمل في الاستفادة من كافة دروس المواجهة السابقة، وانتهاج سبل مدروسة ووسائل منهجية في غمار معركة التصعيد المرتقبة، كي نحفظ الأرواح والمقدرات والمكتسبات الفلسطينية قدر الاستطاعة، وكي لا تراق الدماء الغالية إلا بثمن.

 

البث المباشر