الاستيطان.. جرح الضفة الغائر

الضفة الغربية – الرسالة نت " خاص "

على سفح الجبال المزروعة قهراً فوق قدسٍ لا تراها عين فلسطينية لا في جزء محتل ولا آخر محاصر، ترى بيوتهم التي تفقد كل معنىً للبيت أو الانتماء، مربعات برتقالية مصطفة بانتظام مزعج محاطة بكل ما اخترعته البشرية من أنظمة حماية وأمن.. وكأن واضعها يدرك بأنها موجودة قسراً فوق عبق الأرض.

"هذه الأرض لنا ونحن نملكها ولدينا ما يثبت أنها لنا، نحن كنا قبلهم هنا وسيأتي يوم نخرجهم منها رغماً عنهم".

هذه الكلمات التي تخرج من قلوب مقدسية حُرّقت بسياط الاستيطان لم تعد تعني الصراخ فقط، بل هو لسانُ حالٍ أن طفح الكيلُ بنا.. كيف لا ومنازلهم تسلب وأرضهم تصادر وأقصاهم يهدد وحجارتهم تهوّد.

تسارع

أحدث هذه الآلام كان مصادقة الاحتلال الثلاثاء على إنشاء حديقة للمغتصبين فوق أراضي جبل المشارف المطل على المدينة المقدسة من الجهة الجنوبية الشرقية، وما هي إلا خطوة ضمن مسلسل تهويدي كامل تتعرض له المدينة المقدسة منذ عقود.

ويقول الخبير في شؤون الاستيطان خليل التفكجي لـ"الرسالة نت":" تشكل زيادة عدد اليهود داخل وحول القدس جزءا أساسيا من الاستراتيجية الإسرائيلية لضمان سيادتها المستمرة، حيث تم توزيع المستوطنين في كل مكان من القدس الشرقية التي ضمت عن طريق بناء أحياء جديدة قريبة ذات كثافة سكانية عالية، وتركزت معظم هذه الزيادة في عدد المستوطنين في هذه المستعمرات وكانت نتيجة ذلك أن حققت إسرائيل أغلبية يهودية على الفلسطينيين في القدس الشرقية".

ويوضح التفكجي أن سياسة الاحتلال في القدس المحتلة وما نجم عنها مؤخراً من تسريع الاستيطان ونهب الأراضي الفلسطينية خلُصت إلى تزايد كبير في أعداد المغتصبين مقابل أعداد سكان الأرض الأصليين، مبيناً أن نسبة المقدسيين ستصل إلى 22% فقط في مدينتهم.

الخطة الجديدة تلك كان سبقها مخطط آخر على الأرض ذاتها لمصادرة أكثر من 600 دونم من أراضي الطور والعيسوية في القدس، ثم تبين أن التلهف الصهيوني عليها كان من أجل إقامة حدائق لراحة المغتصبين، وهو الأمر الذي دفع ثمنه المقدسيون حين سُلموا إخطارات بهدم منازلهم هناك.ويقول المواطن المقدسي حلمي نبهان لـ"الرسالة نت":" المخطط هذا لمصادرة الدونمات كان على حساب منازلنا، حيث تسلمنا قبل عدة أشهر إخطارات بهدمها من أجل أن ينعم بعض المغتصبين براحة التنقل، هذا كله على حسابنا وحساب أراضينا".

أطماع متزايدة

وليس بعيداً عن كل ذلك، صادقت لجنة صهيونية تسمي نفسها البناء والتنظيم ولا تحمل إلا عكس ذلك، على بناء ما يقارب تسعَمئة وخمسين وحدة استيطانية جديدة لتوسيع مستوطنة جيلو التي تلتهم أطراف القدس الشرقية.

ويقول التفكجي:" هذا المخطط يأتي لتوسيع مستوطنة جيلو بهدف ربط القدس مع المستوطنات الجنوبية والشرقية لها، وهذا الأمر بالطبع يعني مصادرة أراض فلسطينية جديدة".

 

ويؤكد التفكجي بأن المخطط هذا يشمل توسيع المستوطنة بآلاف الأمتار المربعة على حساب الأراضي المقدسية، مبيناً أن الاحتلال صادر في البداية عشرات الكيلومترات لإقامة مستوطنتني أبو غنيم وجيلو المشيدتين على أطراف مدينة القدس وبهدف توسيعها في المستقبل وهو الأمر الذي يحدث اليوم.

ويتابع:" بدأ الاحتلال بتأسيس هذه المستعمرة عام 1971 بعد أن تمت مصادرة 2700 دونم عام 1970 وحسب الخريطة الهيكلية رقم (1905) تبلغ مساحتها 2743 دونما أقيم فيها 7484 وحدة سكنية يسكنها أكثر من 30 ألف مستوطن، وتم توسيع حدودها أكثر من مرة كان آخرها إضافة 300 وحدة سكنية بعد أن تمت مصادرة المزيد من الأراضي على اعتبار أنها أملاك غائبين".

ولفت التفكذجي إلى أن المستوطنة هذه تعتبر أكبر المستوطنات التي تقع في الجزء الجنوبي، حيث تسيطر على الأراضي والمناطق العليا المشرفة على بيت جالا وبيت لحم، وكذلك على مدينة القدس، وتم شق شارع عريض يصل بين مركز المدينة وجيلو قسّم بلدة بيت صفافا المقدسية إلى شطرين.

لراحة المغتصبين

ويحمل القاموس الاستيطاني أبعد من ذلك بكثير، فتوسيع مستوطنة نوفيم القريبة من نابلس صودق عليه من قبل وزير الحرب الصهيوني إبهود باراك نفسه، كما صادق على أربع خطط هيكلية لمستوطنات في الضفة تنهش الحلم وحتى الذكريات، فيما انتهى نهار الثلاثاء وقد دشن ما يسمى بوزير الاتصالات الصهيوني يسرائيل كاتس جزءاً من طريق يربط الحرم الإبراهيمي بمستوطنة كريات أربع لتسهيل اقتحام المغتصبين إليه.

ويؤكد خبير الاستيطان عبد الهادي حنتش لـ"الرسالة نت" أن هذا الشارع موجود أصلا ضمن حدود بلدية الخليل ويدعى شارع بيار المحاور ويربط منطقة واد النصارى ومنطقة الحرم الإبراهيمي مع شارع بني نعيم بالقرب من مسجد خالد بن الوليد الواقع جنوب مستوطنة كريات أربع.

ويوضح حنتش أنه في عام 2002 صدر أمر عسكري بشق شارع من كريات أربع حتى الحرم الإبراهيمي مرورا بمنطقة المشارقة الفوقة، الأمر الذي قضى بهدم 11 منزلا والاستيلاء على قطعة أرض تبلغ مساحتها  700 متر مربع تابعة للأوقاف الإسلامية شرق الحرم الإبراهيمي.

وبين الخبير أن عملية التوسيع في هذا الشارع بدأت منذ عدة أشهر، حيث أن قوات الاحتلال كانت وضعت كتلا إسمنتية على جانبي الشارع، وتجري عملية مصادرة الأراضي حيث أن جميعها تعود لعائلة جابر.

ويضيف:" شق هذا الشارع يعني تسهيل اقتحام المستوطنين للحرم الإبراهيمي وتسهيل دخولهم في أي وقت يشاؤون، بينما يمنع المصلون من دخوله ويجبرون على المرور عبر نقاط تفتيش، ويفتح هذا الأمر المجال لتنفيذ مجازر أخرى مشابهة لمجزرة الحرم التي وقعت عام 1994 على يد المجرم جولدشتاين".

هذه الأيادي الإجراميةُ التي تخنق أعناق الفلسطينيين أينما وجدوا لاقت آذانا صماء عن ظلمها، بينما لا يجد أصحاب الأرض.. سوى أطفال الحجارة أملاً.

 

 

 

البث المباشر