النكبة وذكراها ضوء أحمر يشتعل في منتصف أيار من كل عام ليتذكر شعب اللجوء (الذي يمثل أكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني) ما لم ينسه، ويحيي ما لم يمته، ويعش مجدداً على أمل العودة ويعزف على أنغام الذكرى لحن الرجوع، ليرهف العالم سمعه إلى الشعب اللاجئ الوحيد في القرن (21) وقد تجاوز ذكرى عقده السادس في لجوء وتشرد وحرمان.
النكبة مشروع استعماري غربي رأس حربته المشروع الصهيوني يهدف لحماية إمبراطوريات الغرب التي كانت ترى أن المنطقة العربية يتوفر لها مقومات التراث في التاريخ والجغرافيا والدين واللغة وإن نهوضها ووحدتها ستشكل تهديداً استراتيجياً لها، فكان القرار بزراعة جسم غريب. فكان "اسرائيل" كيانا إحلاليا، وصاحَبَ تلك المرحلة ضعف في جسد الأمة في شتى النواحي سمح للإمبراطورية الغربية أن تنفذ مشروعها، فكانت النكبة التي ينبغي محوها ببناء أجيال جديدة تملك مقومات محو المرحلة ومشروعها الشرير، وذلك باعتماد فلسطين وقضيتها مركزية الصراع الكوني.
إن الشعور اليقظ بحق العودة والعمل له أحيا مشروع الحق الفلسطيني ليحاصر مشروع الأجتثاث والتمدد الصهيوني ويلجمه. نعم لم يستطع إلى الآن مشروع التحرر هزيمة مشروع الاستيطان لما يملكه الاخر من إمداد وعون، ولكنه شرف عظيم أن يمتلك المشروع الفلسطيني القدرة على الصمود والمشاغلة والإدماء والتراجع على صعيد الأرض والإنسان.
الرغبة العارمة في كسر شوكة المشروع الفلسطيني القائم على حلم العودة والانغراس في الأرض أيقظ في عقلية المشروع الصهيوني ما أسماه مشاريع التوطين القائمة على إسكان الفلسطيني حيث يكون بعيداً عن أرض الميعاد فكانت مشروعات التوطين والتعويض مقابل إسقاط حق العودة ولكن كل ذلك لم يُخرج الفلسطيني عن دائرته ومشروعه في العودة ، فكان الفشل الذريع لكل مشاريع سلب الحق والإقرار الفلسطيني بالتنازل عن هذا الحق المقدس وبقي الفلسطيني منتظراً على بوابة الوطن لا يعيش في فلسطين ولكن تحيا فلسطين في سويداء قلبه حيث حل أو ارتحل متمسكاً بمفتاح البيت وكوشان الطابو ليثبت حقه يوم يعود أو يعود ولده إلى أرضه.
القضية وبؤرتها حق العودة في مفترق طرق خطير حيث الخطورة الكامنة في التحرك السياسي الجاري على أساس المبادرة العربية في إسقاط العودة وما يمثله ذلك من ضياع للقضية والحق. لذا فإن الحذر السياسي في هذه المرحلة الدقيقة ضرورة وطنية وذلك باعتماد أن كل من ينزلق إلى مربع المساومة على حق العودة الذي لا يتحقق إلا بدحر الاحتلال إنما ينزلق في أتون الخيانة الوطنية. ومن هنا فإن الاحتفاظ بحق العودة وإن لم يتحقق بمثل صيانة للمشروع الوطني مع استمرار العمل على تحقيق العودة وذلك بطرح مشروع موحد لتنفيذ حق العودة أو على الأقل إحياء حق العودة وتناقله عبر الأجيال. ونرحب في هذا السياق بالمصالحة على قاعدة إعادة بناء منظمة التحرير والتي تمثل قضية محورية في طريق صيانة حق العودة وتنفيذه حيث أن المنظمة تشكل بيت الفلسطينيين جميعاً والمؤسسة التي ينبغي أن تسعى لتحقيق آمالهم وطموحاتهم في العودة.
اليوم بحول الله تعالى يتم إطلاق برامج إحياء فعاليات ذكرى النكبة لهذا العام عبر اللجنة الوطنية العليا لإحياء ذكرى النكبة مؤكدين على ضرورة التداعي وتكامل الجهود وتوحدها من أجل ابتكار وتنفيذ مشروعات صيانة حق العودة تربوياً وفكرياً عبر المتاحف والمؤتمرات والرحلات وإيقاظ دليل حق العودة وإطلاق هوية العودة وترسيخ ثقافة العودة حق عبر إحياء الوعي الجمعي عبر المدارس ومناهجها وإحياء الأيام الدراسية وإعلان مسابقة تصميم شعار حق العودة الدائم مع إحياء القصيدة "راجعين" وتشجيع البحث العلمي بمسابقة "رواية الجد" حول القرية والهجرة واللجوء، وإحياء أسماء المدن الفلسطينية عبر المخيمات الصيفية.
الليالي الفلسطينية حبلى وتلد كل جديد، وإن إحياء ملف العودة وحقها مهمة وطنية من الدرجة الأولى تسقط أمامها الكثير من الأولويات، وتفتح المجال خصباً أمام المجموع الفلسطيني أن يتحرك للأمام على أساس حق العودة في جملة من السياسات والبرامج والأنشطة متجاوزين حالة الاستقطاب السياسي والتنسيق الأمني المقيت بتقديم أولوية العمل للمصلحة الوطنية العليا وعلى رأسها حق العودة وصيانته وتنفيذه.