قائد الطوفان قائد الطوفان

حجر ناطق يروي حكايات الماضي العتيق

الفسيفساء.. فن معماري أثري يسحر العيون

الرسالة نت - خلود نصار

التف زائرو كنسية القديس هيلاريون في مدينة النصيرات منبهرين حول سجادة الفسيفساء التي افترشت إحدى غرف الكنيسة وهي تتشكل من صور متقنة لحيوانات وطيور مختلفة كالأسد والطاووس والبطة وغيرها .

الفسيفساء أحد الفنون القديمة جدا , التي استخدمت في أرضيات المباني واهتمت بتفاصيل الأشياء والخوض في أعماقها , نافذا من خلال المواد الجامدة على معنى الحياة , وهو فن وحرفة صناعة المكعبات الصغيرة واستعمالها في زخرفة وتزيين الفراغات الأرضية والجدارية عن طريق تثبيتها بالملاط فوق الأسطح الناعمة وتشكيل التصاميم المتنوعة ذات الألوان المختلفة، ويمكن استخدام مواد متنوعة مثل الحجارة والمعادن والزجاج والأصداف وغيرها , وفي العادة يتم توزيع الحبيبات الملونة المصنوعة من تلك المواد توزيعا فنيا ليعبر عن قيم دينية وحضارية وفنية بأسلوب فني مؤثر.

تذكر نشوة الرملاوي منسقة المشاريع في مركز إيوان ان صناعة الفسيفساء عمل صعب جدا بالنسبة للقدماء , لذلك كان يوضع في الاماكن ذات الاهمية كالكنائس والقصور وصفته بالسحر متعجبة من دقته ورسوماته الجميلة وابداعه حتى جعل العالم الحديث يقف أمامه متأملا في كل أجزائه.

وتشير إلى أن القدماء كانوا يبحثون في الطبيعة على الاحجار الملونة والتي هي بالغالب من الرخام, لتشيل لوحات الفسيفساء لان لكل شكل الوانه المختلفة واستخدموا في عملهم الادوات البدائية كالمطرقة والزميل .

وازدهر هذا الفن في العصر البيزنطي والروماني القديم ويعمل مركز عمارة التراث إيوان جاهدا للحفاظ على مثل هذا الفن , ففي موقع كنيسة القديس هيلاريون تمثل عملهم في تنظيف وتدعيم وتثبيت أحجار الفسيفساء ومن ثم تغطيتها بطبقة من الرمل للحفاظ عليها من عوامل التعرية.

وقد مر تطور الفسيفساء بمراحل عديدة حتى بلغ قمته في العصر الإسلامي الذي عبر من خلاله عن الحضارة الاسلامية بكل مكوناتها , فاستطاع الفنان المسلم بأدواته أن يترجم لنا فلسفة هذه الحضارة في الوان متعددة من الفنون الجمالية الراقية , التي يقف الفسيفساء في قمة هرمها عبر قطع مكعبة الشكل لا يتعدى حجمها سنتيمترات من الرخام أو الزجاج او القرميد أو البلور أو الصدف.

وتروي الفسيفساء حكايات صاغتها أيدي الصناع المهرة على جدار والقباب والأرضيات فروت ماضيهم وكيف أن إبداعهم تجاوز حدوده وأنطق الحجر فجمل المساجد والقصور والحانات.

وزينت أرضيات الفسيفساء بعض الأماكن الإسلامية كمسجد قبة الصخرة بمدينة القدس والمسجد الأموي بمدينة دمشق.

لكن هذا الفن العريق عاد للظهور من جديد بصورة حديثة تواكب العصر فوجد في كثير من المنازل والقصور والأسواق الحديثة وكذلك في أحواض السباحة في الحمامات .

ومن جانبه يعقد مركز إيوان دورات حديثة لصناعات الفسيفساء وتعليمها للمهتمين , وتوضح الرملاوي ان هدفهم من ذلك إبراز الفنون القديمة الأثرية لما تحمله من قيم كبيرة.

وتتم صناعة الفسيفساء في الدورات المقامة بمواد معاصرة كالإسمنت أو الجبص إضافة للرمل والأصباغ للحصول على الألوان المناسبة.

وفي إحدى هذه الدورات تجلس خريجة العلوم رشا دلول وسط منزل العلمي القديم وأمامها أحجار ملونة أعدتها بنفسها من مواد حديثة وتحاول جاهدة أن تنسقها حسب اللوحة الأصلية.

وقطعت دلول عملها لتقول: رغم أن هذا العمل بعيد عن تخصصي الدراسي إلا أنني أهوى الفنون وكل ما هو غريب وغير معروف كالفسيفساء.

ويعجب المشاهد لتلك الآثار الفنية من مهارة القدماء ومدى ابداعهم بمثل هذا الفن الصعب.

البث المباشر