وسام عفيفة
ونحن نعيش اليوم قصة النكبة نبحث عن الذاكرة, ونخشى أن نفقدها بفقدان أصحابها.. قصص الجد والجدة, مدرسة التاريخ الفلسطيني الحي, نسمع في حديثهم خرير ماء الجداول, وحفيف شجرة التين والزيتونة, ونشاهد في تجاعيد وجوههم وأيديهم خريطة "البلاد" .
يكفي ان تسمع تنهيدة تخرج من صدر مليء بالذكريات والقهر قبل أن تبدأ "الحدوتة" ومطلعها:" هييي.. ساق الله على هديك الأيام".
وما أجمل الرواية ويد الجدة تعبث بشعرك و"تنكش" رأسك الملقاة على فخذها .. كأنها تحرص أن تمر كلماتها إلى عقلك الباطن, وتشعر بدفء الأرض كما تشعر بحنان حجرها.
بعد أن فقدنا "الختيار" يحق لنا أن نقول بتنهيدة أيضا : ساق الله على أيامك يا جدي و"خراريفك" عن البلاد".
ذهبوا وتركوا لنا جزءا من الذاكرة, لكنها بدون روح ومشاعر , نسمعها أو نقرأها, لكن لا نحس بها كما كنا نعيشها وهم يروونها.
مع الذكرى يتجدد الجرح وأغنيتنا الحزينة تقول:
اسف ملعب صبانا البوم ناح بي وخرجنا منّه مدحورين نحبي
عَلَوَّا ليتني قضيت نحبي ولا شاهدت خذلان العرب
ليش "ماكو أوامر" يا بو زكي وبناتنا "الهاجاناه" بتشتكي
يوم جيتونا من العراق محافظين قلنا بفلسطين اكتسحوا المعركه
ما يؤنس لجوءنا, بقايا الحكاية, واسم البلدة الذي انطبع على وجوهنا وفي حديثنا .. وأصبح الختم الأصلي لهويتنا, يافاوي ..حمامي .. بشيتي .. بريراوي .. مجدلاوي.. عبدساوي.. هرباوي و... وتطول القائمة, مات الكبار ولم ينس الصغار كما كانت تحلم "غولدمائير". ونقلنا بلداتنا معنا في قلوبنا إلى حوارينا ومخيماتنا.. حارة اللدادوة , وشارع الجوارنة, ومخيم البدارسة, وطالت المسافة بين المخيم والقرية, وصار اللاجئ سواح في حواري الدنيا من استراليا حتى أمريكا.
نحمل جرحنا ونحملق في وجوه الذين قالوا لنا "ماكو أوامر", ونصرخ في وجوههم :
ستون عاماً وما بكم خجلٌ, الموت فينا وفيكم الفزعُ
أخزاكم الله في الغزاة فما رأى الورى مثلكم ولا سمعوا
حين الشعوب انتقت أعاديها, لم نشهد القرعة التي اقترعوا
لستم بأكفائنا لنكرهكم, وفي عداء الوضيع ما يضعُ
لم نلق من قبلكم وإن كثروا قوماً غزاة إذا غزوا هلعوا
ونحن من ها هنا قد اختلفت قدماً علينا الأقوام والشيعُ
وللنكبة بقية..