قائد الطوفان قائد الطوفان

كلمة السر .. "حياة من موت"

الرسالة نت - صلاح أبو شمالة

شهر واحد بقي على تخرج الشهيد محمد من الجامعة الإسلامية بغزة ويصبح عقبها مهندسا مدنيًا، وبعد ليالٍ طويلة وسهر مرهق لإنجاز مشروع تخرجّه يشمر سواعده لقيام الليل، وفي الصباح يخرج لموقع "القسام" يكمل التدريب النهائي لوحدة المدفعية, ثم يرتقي شهيدا صباح ذلك اليوم "19 مايو" بعد أن سلم لأحد رفاقه كلمة سر الحاسوب الخاص بالعمل العسكري "حياة من موت"..

الانتفاضات وولادته

مع مرور عام على الانتفاضة الأولى في شهر ديسمبر عام 1988 أشرقت خان يونس بمولد الشهيد محمد رمضان أبو شمالة في بيت عُرف بالكرم والجود في المخيم الغربي للمدينة، ومع الانتفاضة الثانية عام 2000 توفي والده، وبعد 11 عاما ومع بدء فعاليات الانتفاضة الثالثة يرتقي محمد شهيدا عام 2011.

محمد الأكبر من بين إخوته، تحملت أمه -محاضرة في جامعة الأزهر- أعباء الحياة لتربيتهم تربية إسلامية.

درس محمد المرحلتين الابتدائية والإعدادية في مدارس "الأونروا" وأنهى الثانوية العامة في مدرسة هارون الرشيد بمعدل امتياز، ليلتحق بكلية الهندسة في الجامعة الإسلامية ، ثم انتقلت عائلته للسكن في مدينة غزة قبل عدة سنوات، ولكن حياته كانت كـ"المكوك" بين خان يونس وغزة، حيث يقضي أول الأسبوع مع عائلته في غزة لمتابعة دراسته، ونهاية الأسبوع في خان يونس لمواصلة عمله العسكري ورباطه.

ووسط بيت العزاء المزدحم في خان يونس الذي زينته أكاليل الورود ولافتات المعزين من الفصائل والوزارات والمؤسسات، وعبر مكبرات الصوت تتوالى كلمات الرثاء للشهيد متحدثة عن أخلاقه وكرمه وتدعو لعائلته بالصبر والسلوان. ويشد المعزون على أيدي إخوان الشهيد لعل كلماتهم تواسي مصابهم الجلل.

"الرسالة نت" التقى بأخ الشهيد جبر وعيونه تحاول إخفاء حزنه بنظرات تحبو إلى الأرض, يقول: "عندما تلقينا خبر استشهاد محمد أبلغنا الأقارب في خان يونس أنه أصيب في ساقه، ثم اتصلنا بهم فقالوا إن إصابته في بطنه، ولكن أمي قالت بصوت قلق أن محمدا قد استشهد وكان قلبها شاعرا بذلك".

وبعبرات أليمة متقطعة يتابع جبر: "محمد كان الأخ والأب، وكان حنونًا رحيما.. ما دخلت يوما على غرفته إلا وهو يدرس أو يستمع لخطباء مشهورين، وإن كان نائما فالقرآن يرتل بجانبه، وكنا قليلا ما نجتمع به لأنه منهمك في دراسته".

"محمد نوّارة الكتائب"

ويشير من عاشوا معه في مسجد الشافعي غرب المخيم إلى أن الشهيد محمد تربّى على موائد القرآن بإشراف شيخه المحبوب إلى قلبه الشهيد عمر أبو عكر (الشيشاني)، "حيث تأثر به تأثرا كبيرا وملحوظا لدرجة أن الشهيد كان رافضا الانتقال للعيش في غزة، ولكن بعد طلب عائلته من الشهيد أبو عكر استجاب محمد وانتقل مع عائلته ولكنه ظل متعلقا بمسقط رأسه ومسجده".

"نوّارة وحدة المدفعية والكتائب".. هكذا رثاه كل رفاقه عندما تلقوا نبأ استشهاده، فهذا ابن خاله ورفيق دربه يقول لـ"الرسالة نت": "لم يترك محمد ركعتي قيام الليل قط، حتى لو كان مرهقا، وقال لنا ذات مرة أنه ما سجد لله سجدة إلا ودعا فيها لوالده، حتى أصبحت كنيته بين رفاقه أبو رمضان".

أما صديقه محمد صالح فيشيد بكرمه قائلا: بسيارته الخاصة كان يقل الشباب لمواقع الرباط، واشترى جهاز لاب توب من حسابه الخاص لشؤون وحدة المدفعية، وطوال مدة انضمامه للقسام لا يخرج للرباط أو يزور إخوانه المرابطين إلا يداه محملتان بالشراب والطعام".

صديقه بلال ذكر أن محمدا قبل يومين من استشهاده أعطى كلمة سر الحاسوب الخاص بالعمل العسكري لأحد رفاقه قائلاً له "حياة من موت هذه كلمة السر احفظها".

حان وقت الرحيل

يذكر أن محمدا كان قد كتب وصيته قبل شهر من استشهاده التي وصفها إخوانه في المكتب الإعلامي للقسام بأنها من أجمل الوصايا المصورة، وأشار المكتب الإعلامي إلى أنه سوف يعرض الوصية في تأبين الشهيد بعد صلاة العشاء لليوم الاثنين ضمن عرض مرئي يجمع سيرة الشهيد وأعماله.

ولم تكتمل الصورة بعد, فعلى أطراف بيت العزاء يقلب صورة الشهيد وينظر بعيون الفراق "الله يرحمك ويسهل عليك يانوّارة" هو ابو محمد المسئول المباشر للشهيد محمد أبو شمالة الذي قال لـ"الرسالة" "رحل عنا محمد وظله لا يفارقنا وكم نحن مشتاقون للقاء به كان رقيقا جميل الحديث مع إخوانه, عسكريا شجاعا في الميدان".

ويستطرد أبو محمد" كان الشهيد مدربا بارعا وتخرج من عنده عشرات الشباب، مشيراً الى أنه ضرب على مدفع الهاون أكثر من 1000 قذيفة هاون, منها 25 قذيفة يوم الجمعة الذي استشهد فيه وهو يضرب القذيفة الأخيرة التي انفجرت وكان يبعد عن المدفع عشرة أمتار ومن حوله من الشباب أصيبوا إصابات متوسطة وطفيفة، أما محمد مدّرب الشباب جاءته شظية قاتلة في القلب, كانت هي نهاية حياته.

 

البث المباشر