مؤمن بسيسو
منذ بيارق ثورة الياسمين التونسية -ولاحقا الثورة المصرية المجيدة- وما تلاها من ثورات يشتعل أُوارها في أكثر من بلد ومنطقة عربية، كان واضحا أن الواقع العربي قد شق طريقه فعلا نحو التغير الجذري على مختلف المستويات؛ ولأن الثورات العربية تنبثق عن رحم آمال الشعوب المكلومة وتطلعاتها وهي التي رزحت تحت الحكم الاستبدادي ردحا من الزمن بدعم وإسناد أمريكي كامل، كان لزاما على الإدارة الأمريكية أن تلتقط الدروس المستفادة، وتعمد إلى مراجعة سياساتها اتجاه قضايا المنطقة العربية والتي تقع القضية الفلسطينية منها موقع القلب والروح.
حين نعاين السياسة الأمريكية لا نرى تغييرا أو نجد جديدا، اللهم إلا مزيدا من التردي والسوء والمبالغة في مجاملة "إسرائيل" وخطب ودها، والحرص على عدم إغضابها أو استفزازها تحت أي صورة من الصور، بل بلغ الأمر حدّ الانقلاب على المواقف الأمريكية التقليدية التي تحاول إبقاء خيط العلاقة أو "شعرة معاوية" مع الفلسطينيين والعرب لزوم تحسين الصورة الأمريكية المشوهة في العيون العربية.
لم تعلُ أمارات الخجل قسمات وجه أوباما حين أشاد بالثورات العربية مؤخرا، وكأن الرجل قد امتشق قناعا جامدا دون أحاسيس، وكأنه كان يتحدث عن شعوب عربية في كوكب آخر لم تعاني من وطأة الظلم الأمريكي الذي نصّب أزلاما حاكمة في ربوع المنطقة العربية لا تجد غضاضة في سفك دماء شعوبها حفاظا على كرسيّ السلطة، ولا تفقه من دور سوى جمع الأموال والثروات، فيما يعيش معظم شعوبها تحت خط الفقر، ونهبا لأنياب الألم ووحش الجوع والحرمان.
وفقا لصيرورة الواقع السياسي العربي ومستجداته الكبرى كان يفترض بأوباما أن يكون أكثر حذرا في التعاطي مع المسألة الفلسطينية، وأشد حساسية في تصدير مواقفه السياسية اتجاه الصراع (الفلسطيني–الإسرائيلي)؛ فالثورات العربية وإن كانت تطيح بأنظمة القهر والاستبداد، فإنها تطيح –أيضا- بحال التبعية والهزيمة والالتحاق بالمشروع الأمريكي الذي يرعى الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ويمنحه غطاء الشرعية السياسية وأسباب البقاء الاقتصادي على الدوام.
مواقف أوباما لا تشي بأن الإدارة الأمريكية قد استوعبت بعد دروس التغيير العربية، ولم تفطن إلى أن مرحلة جديدة قد بدأت في حياة الأمة العربية، وأن الأمور لن تكون استنساخا باهتا عن مراحل البؤس السابقة في قادم الأيام.
فلسطينيا، لا تريد إدارة أوباما أن تعترف بحقيقة التحول في المسار الفلسطيني، سواء على صعيد المصالحة الوطنية الداخلية، أو على صعيد فشل مشروع التسوية مع الاحتلال الذي تتحمل قسطا وافرا من مسؤوليته بحكم رعايتها واحتضانها للاحتلال وسياساته العنصرية.
لا نتوقع من إدارة أوباما أي خطوة ذات بال -فلسطينيا وعربيا- خلال المرحلة القادمة، بل علينا أن نتوقع الأسوأ، ونجهز أنفسنا لمواقف أكثر قبحا وارتكاسا في حمأة المواقف الإسرائيلية الوبيئة.
يقينا، إن إدارة أوباما لم تدرك بعد التحولات التاريخية الجارية حاليا؛ لذا فإن غفلتها سوف تدوم لأمد غير معلوم في المستقبل المنظور، وربما المتوسط، ولن تصحو من سباتها وتفيق من عنجهيتها إلا على مطارق الغضب العربي حين تهوي على رأسها لتعيدها إلى مربع الحقيقة وجادة الحق والصواب.
قد تلعب ظروف الثورات العربية وتفاعلاتها التي لم تستكمل مهامها بعد وطبيعة أولوياتها في مرحلة ما التخلص من نظمها الشمولية دورا في تأخير الانتفاضة العربية في وجه الإدارة الأمريكية وسياساتها الغاشمة بحق المنطقة العربية والإسلامية، لكن ساعة الحساب –لا شك- قادمة، وحينها ستقطع جهيزة قول كل خطيب.