رفح- فادي الحسني-الرسالة نت
تنكمش رئتا كل من تطأ قدماه "مخيم الانفاق" الواقع أقصى جنوب قطاع غزة، نتيجة انبعاث الغبار الكثيف الذي تخلفه الشاحنات المتقاطرة لنقل مواد البناء إلى القطاع.
ويبدو "مخيم الأنفاق" أشبه بمنطقة صناعية تجوبها الشاحنات طولاً وعرضاً، ويعلو فيها ضجيج طاحن.
ووسط دوامة غبار تعلق في مظلة النفق، هم أبو رشيد لرفع جالون بلاستيكي معبأ بالحصى المهرب من مصر إلى القطاع، ويكومه في هوة قريبة تمهيداً لنقله إلى تجار مواد البناء في مدينة غزة.
ويقف أبو رشيد في أواخر عقده الثاني عند فوهة النفق منذ الساعة السادسة صباحاً ليساعد زملاءه في نقل ثلاثة اطنان من الحصى، ويقول انه "يتقاضى مئة شيكل يوميا مقابل هذا العمل الشاق".
يمسح ابو رشيد –القاطن في مخيم جباليا- العرق المتصبب من جبينه وهو منكب على نقل الحصى، ويشير إلى أن العمل في الانفاق لم يعد مجدياً خاصة بعد أن اقتصر على تهريب مكونات الخرسانة المسلحة فقط.
وعكف مالكو الانفاق على تهريب مواد البناء عقب فتح اسرائيل معبر كرم ابو سالم امام السلع التجارية عدى مواد البناء، لزعمها ان تلك المواد تستخدم لأغراض خاصة تخدم المقاومة.
واسهم ادخال المواد الخام اللازمة في اعمال البناء عبر الانفاق، إلى انخفاض اسعارها محلياً، لكن ملاك الانفاق يتمنون لو ان ترفع اسرائيل الحظر عن مواد البناء حتى يقوموا بإغلاق انفاقهم "لأن العمل فيها لم يعد مربحاً" كما قالوا.
ويوضح العامل المعفر بالغبار انه يضطر يومياً للانتقال من جباليا إلى رفح طمعا في توفير لقمة العيش له ولزوجه الحامل، ويقول :"ان المبيت هذا المكان هو مجازفة بالروح(..) الطيران عندما يقتل فلا يستشير أحداً".
وأضاف أبو رشيد الذي ينتظر خروج بكره إلى النور بعد أيام: "نحن نبحث عن لقمة العيش، لكننا لا نريد التضحية بأرواحنا"، متمنيا أن يقوم الاحتلال بإدخال مواد البناء عبر المعابر التجارية "حتى تغلق الأنفاق، وتفتح الأفاق أمام العمال".
ويعلو صوت مولدات الكهرباء الغليظة ترة ويهبط تارة أخرى، في "مخيم الانفاق" الممتد من أقصى الحدود الشرقية لرفح وحتى غربها، فيه مئات الانفاق، وفق تقدير جهات مطلعة.
ورفضت الجهات المطلعة التي تتخذ من "مخيم الانفاق" مركز لها، الإفصاح عن العدد الدقيق للأنفاق، لكنها كشفت عن قيام عدد من ملاك الانفاق بإغلاقها، وأخرون عرضوها للإيجار.
ويعطي صاحب نفق يدعى أبو محمد، تعليماته إلى خلية عمال يقومون بسحب قضبان الحديد المسلح المهرب من مصر إلى غزة، عبر "رولات" حديدية بدت كسكة حديد، ثم يجرونها إلى "الونش" تمهيدا لنقلها إلى التجار.
يقول أبو محمد وهو مزارع سابق، أنه تخلى عن تهريب السلع والبضائع البسيطة، ولجأ لتهريب مواد البناء، لأن الأخيرة لا تزال محظورة على المعابر التجارية لغزة.
ويشير إلى أن تهريب البضائع والسلع يحقق مكاسب كبيرة، مقارنة بتهريب مواد البناء، لذلك تمنى لو أن تفتح المعابر التجارية كاملة حتى يقوم بإغلاق نفقه.
وعند سؤاله عن العمل الذي سيمتهنه اذا ما اغلق نفقه، قال: "سأعود إلى الزراعة(..) الرزق على الله".
وتماشيا مع الحاجة اضطر أبو محمد لابتكار وسيلة نقل للحديد المهرب، ويلفت إلى أن قضبان الحديد التي يتراوح سمكها بين 8 ملم – و6 ملم يجري لفها على شكل دوائر وادخالها، أما ما تفوق في سمكها الرقمين السابقين يجري حنيها من النصف، ووضعها على ما يسمى "شياطة" من الجلد المقوى وسحبها. وتتراوح تكلفة نقل طن الحديد المسلح عبر الانفاق من 80$-100$.
واضطر المواطنين في ضوء حظر ادخال المواد الخام، لتدوير الركام واستخدام قضبان الحديد الصدئة المستخرجة من البيوت المهدمة جراء الحرب التي طالت غزة خريف 2009.
ويوضح أبو محمد الذي وافق على إجراء المقابلة بعد تشديده على عدم التقاط صور له ولنفقه، أنه يقوم بإدخال 150 طن حديد يوميا إلى القطاع، لافتا إلى أن يضطر إلى دفع اجور لنحو ستين عاملاً، يعملون على فترتين خلال اليوم.
وتجدر الإشارة إلى أن الانفاق المخصصة لنقل مواد البناء تتطلب بعض التقنيات المختلفة عن الانفاق المخصصة لنقل البضائع، وأنفاق معدودة تلك المستخدمة في تهريب السيارات، خاصة أنها تحتاج إلى تجهيزات عالية كسكة حديد داخلية وتوسعة النفق بما يتناسب مع حجم السيارات التي يتم ادخالها.
ويقول أبو خلف وهو مالك لنفقين أحدهما مخصص للسيارات: "تكلفة تجهيز النفق المخصص لتهريب السيارات، تزيد عن 250 ألف دولار(..) الأمور ليست سهلة كما يتخيل البعض وتنطوي على كثير من المخاطرة والمجازفة".
وبين ابو خلف أن مسألة التهريب عبر الانفاق، تخضع إلى العرض والطلب، ويقول: "عندما كان هناك شح في الماشية قمت بتهريبها وعندما كان هناك شح في السراميك والزجاج أيضا قمت بتهريبه، واليوم نقوم بتهريب السيارات ومواد البناء".
وذكر أن نسبة الربح العائدة من التهريب عبر الانفاق في الوقت الحالي، "قليلة جداً مقارنة بالربح السابق" على حد قوله.