مصطفى الصواف
السيد محمود عباس يدعو الدول العربية لتوفير شبكة أمان للسلطة الفلسطينية حتى يتوفر الدعم المالي الذي بمقتضاه تصرف رواتب الموظفين الذين لم يصرف لهم سوى نصف راتب الشهر الماضي، ويلمح عباس إلى أن الشهر المقبل قد يواجه بالأزمة نفسها إن لم تكن أشد، "وقد لا تصرف رواتب للموظفين".
دعوة عباس نعتقد أنها في مكانها لسبب بسيط: أن لا يقع الشعب الفلسطيني تحت سيف الأموال والرواتب ودفع ثمن ذلك من حقوقه وثوابته نتيجة ابتزاز الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وأن يبقى الشعب الفلسطيني رهينة هذه الأموال، وهذه الشبكة قد تقطع الطريق على الضغوط الممارسة والتهديدات بقطع أموال الدعم أو القبول بالموقف الأمريكي المتبني للموقف الإسرائيلي كليا.
أعتقد أن هذه الدعوة وهذا التوجه من عباس -رغم أنه متأخر لكنه في الاتجاه الصحيح الذي كان من المفترض أن يكون- واحد من أهم الخيارات أمام السلطة الفلسطينية، وعلى الدول العربية ألا تتردد في الموافقة وتوفير هذه الشبكة؛ حماية للحقوق الفلسطينية وتعزيزا لصمود الشعب الفلسطيني، وهذه الشبكة واجب على الدول العربية وحق للشعب الفلسطيني وليست منة من أحد.
ولكن، يجب على الدول العربية أن يكون لها موقف واضح حال وافقت على تشكيل شبكة الأمان.. هذا الموقف يتعلق بوحدة الشعب الفلسطيني والطلب من محمود عباس أن يوفر مجموعة من الشروط وعلى رأسها وحدة الصف الفلسطيني ووحدة الموقف وبناء إستراتيجية فلسطينية شاملة قائمة على مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه، وكذلك العمل على تفعيل اتفاق المصالحة وتنفيذه على الأرض حتى تكون شبكة الأمان هذه بالفعل مقدمة للشعب الفلسطيني وحماية للحقوق الفلسطينية، وليس من أجل تقديم الدعم لمشروع عباس الذي لا يمثل خيارات الشعب الفلسطيني.
مطلوب من السيد عباس أن يقدم في هذا الاتجاه ما يحقق المصالحة والوحدة ونبذ أي أجندة خارجية أو الاستجابة إلى تهديدات الإدارة الأمريكية أو ضغوطها حتى تقدم هذه الشبكة بعيدا عن أي برامج أو توجهات تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، أو تؤدي إلى ضياع الحقوق في الأرض والدولة، وبعيدا عن حرف التوجه الفلسطيني لخدمة تحالفات خارجية أو تنفيذ سياسات تتعارض مع مصالح الشعب.
وعلى هذه القاعدة -وهي قاعدة الوحدة والمصالحة وبناء إستراتيجية فلسطينية موحدة للمواجهة- يكون من الواجب على الكل الفلسطيني دعم هذا التوجه لأنه يعطي مؤشرات واضحة على إخفاق مشروع الرهان على مواقف الإدارة الأمريكية وإمكانية وقوفها إلى جانب حقوق الشعب الفلسطيني، وفيه تأكيد واضح على خيارات محمود عباس وأن قناعاته آخذه بالتغير في الاتجاه الصحيح الذي يؤدي إلى تعزيز الموقف الفلسطيني وفق أجندة فلسطينية غير مرهونة بالمال السياسي.
هذه الدعوة من عباس تبقى ناقصة ما لم يُتبعها بخطوات حقيقية وعملية نحو هذه المطالب الفلسطينية قبل أن تكون اشتراطات عربية لتقديم شبكة الأمان، وألا تكون هذه الدعوة مجرد كلام فارغ لا قيمة له ومضيعة للوقت ولمجرد التلويح للجهات الخارجية بوجود بديل.
هذه الدعوة يجب ألا تكون وسيلة ضغط أو تبقى في مخزون الاحتياط بل يجب أن تكون موقفا إستراتيجيا لأن البعد الحقيقي للقضية الفلسطينية يكمن في البعدين: العربي والإسلامي.