قائد الطوفان قائد الطوفان

عادة تتوارثها الأجيال

الشعبونية.. صلة للأرحام بنكهة نابلسية

نابلس-الرسالة نت

اجتماع عائلي كبير على مائدة الغداء، أصناف وأشكال متعددة من المأكولات والحلويات تزين السفرة، وكلمات الترحيب والتأهيل لا تنقطع، يتخللها تجاذب لأطراف الحديث من هنا وهناك، بينما يشاكس الأطفال بحركاتهم وألعابهم بالمكان.

جو تملؤه السعادة والمرح لاجتماع الأقارب والأنسباء في بيت رب الأسرة خلال "الشعبونية" التي لم يتخل عنها أهالي مدينة نابلس مع مرور السنوات وتردي الوضع الاقتصادي وحالة الغلاء الفاحش التي تعم الأسواق.

ويكمن سر هذه العادة النابلسية بدعوة رب الأسرة لبناته وأخواته وأولادهم لتناول طعام الغداء في بيته لعدة أيام خلال شهر شعبان، ويقدم لهن خلالها أشهى المأكولات والحلويات، وتجتمع كل الأسرة على المائدة ويتبادلون الأحاديث والحكايات، وتزداد الألفة والمحبة بين الجميع.

ومع مرور السنوات وازدياد أعباء وتكاليف الحياة، بدأت هذه العادة الاجتماعية بالانحسار في المجتمع النابلسي، وبات الأمر يقتصر على دعوة الأب لبناته وأخواته وعماته على وجبة الغداء ليوم واحد.

ويتخلل يوم "الشعبونية" طقوسا تختلف من بيت لآخر، حيث يبدأ عند بعض العائلات من وجبة الإفطار وحتى المساء، بينما تفضل الغالبية أن تكون الدعوة على وجبة الغذاء وتناول الحلويات النابلسية الشهيرة.

تراث يفتخرون به

وتحرص كثير من العائلات في مدينة نابلس على الإبقاء على "الشعبونية" كتراث يفتخرون به ويحافظون عليه جيلا بعد جيل، فهم يرون فيها تمسكا بما تربو عليه وألفوه بينهم منذ طفولتهم.

الحاج أبو حمزة (66 عاما) أحد المتمسكين بتطبيق عادة الشعبونية في كل عام، حيث قال لـ"الرسالة نت": "في شهر شعبان من كل عام أحرص على دعوة بناتي وأخواتي لتناول طعام الغداء على مائدتي، وهن تعودن على ذلك".

ويشير إلى أنه على الرغم من الوضع الاقتصادي السيئ الذي يعيشه الناس الآن وغلاء الأسعار الذي طال كل أنواع المأكولات والحلويات وغيرها، إلا أنه يحرص على تطبيق هذه العادة، نظرا لأنه يشعر ببره وصلته لأرحامه بهذه العادة.

أما أبو مجدي (50 عاما) فيرى في الشعبونية فرصة لا تعوض لإصلاح ذات البين بين الأقارب اللذين فرقتهم المشاكل الأسرية، ويقول :"كانت دعوتي لبناتي وأخواتي هذه السنة في شعبان فرصة جيدة لإصلاح العلاقة بين اثنين من أنسبائنا اللذين فرقتهم بعض المشاكل وسوء الفهم لعدة شهور".

وأضاف لـ"الرسالة نت" :"جلس جميع المدعوين وزوجاتهم على المائدة وأصلحنا بين الطرفين بالكلام الطيب وعمت الفرحة والراحة في نفوس الجميع، وكان يوما سعيدا جدا بعودة الأمور لمجاريها قبل حلول شهر رمضان المبارك". 

وللنساء مآرب أخرى..!

وخلال يوم الشعبونية، وبعد تناول طعام الغداء وتنظيف الأواني والبيت بمساعدة الجميع، تجلس النسوة ويرددن الأغاني النابلسية والشامية القديمة، بينما يتواصل تقديم الحلويات والفواكه وغيرها من أشكال الضيافة.

وتجد بعض النسوة فرصة جيدة في الشعبونية لاختيار عروس لابنها من بين بنات العائلة، كما أنها فرصة ليلتقي أبناء العائلة ببعضهم، حيث تقول السيدة أم محمود :"تجتمع صبايا العائلة في يوم واحد، كما يأتي أولاد العائلة وقت الغداء، وتكون الفرصة سانحة ليتعرف الأبناء على بعضهم، طبعا في إطار ما يسمح به ديننا الحنيف وعاداتنا وتقاليدنا".

وتشير :"خلال الشعبونية يقع على كاهل "الصبايا" أعمال التنظيف والجلي، كما أن كل واحدة منهم تكون مرتدية أجمل ما لديها وتبدي أناقتها وذوقها في أعمال المنزل أو صنع الحلويات، ولذلك تكون الفتيات محط الأنظار في هذا اليوم، وتكون فرصة جيدة لاختيارها كعروس لأحد أبناء العائلة، أو ترشيحها لتكون عروسا لأحد المعارف والباحثين عن عروس..!".

بدعة حسنة

وعلى الرغم من عدم ورود هذه العادة في السنة أو الدين الإسلامي، إلا أنها لم تكن محل انتقاد من قبل علماء الدين، بل أن كثيرين منهم يحافظون عليها بهدف توطيد صلة الرحم وزيادة المحبة والألفة بين أبناء العائلة الواحدة.

ويرى عدد من أساتذة الشريعة الإسلامية أنه لا يوجد أي مخالفة شرعية في تطبيق عادة الشعبونية مادام المدعوين ملتزمين بتعاليم الإسلام، كالاحتشام أمام الأقارب من غير المحارم، كما أنها فرصة جيدة لإصلاح ذات البين وتهيئة النفوس لاستقبال شهر رمضان المبارك.

وعظّم رسول الله صلى الله عليه وسلم شهر شعبان، حيث كان عليه الصلاة والسلام أكثر ما يكون قربا من الله تعالى بعد رمضان في شعبان، حيث كان يصوم معظم الشهر ويقومه، وقال نبينا الكريم في هذا الشهر المبارك :"ذاك شهر يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم".

 

 

البث المباشر