فايز أيوب الشيخ
لا يتورع قادة الاحتلال (الإسرائيلي) عن تهديد غزة بـ"حرب واسعة"، فقد صعّد هؤلاء في الآونة الأخيرة من لهجتهم العدوانية، وترجموا ذلك عملياً من خلال ضرب المنشآت المدنية والأنفاق وبعض المواقع العسكرية في القطاع.
ويأتي هذا التصعيد في ظل تفاخر الجيش (الإسرائيلي) في الكشف عن قدراته العسكرية، لاسيما الموجودة لدى ما يسمى بـ "سلاح المدفعية"، حيث كشف الأخير- لأول مرة- عن صاروخ "تموز" الذي استخدم في حرب لبنان الثانية وحرب غزة الأخيرة.
يشار إلى أن صاروخ "تموز" المزعوم بمقدوره إصابة الهدف بدقة عالية من مسافة ٢٥ كيلومتراً بواسطة جهاز مجسات (استشعار بصري) يمكّن الطاقم الذي يطلقه من رؤية الهدف على شاشة خلال تحليق الصاروخ وتوجيهه حتى إصابة الهدف المحدد.
محاولات استعراضية
المحلل والخبير العسكري اللواء د. يوسف الشرقاوي قلل من قيمة المحاولات الاستعراضية التي يجريها قادة الاحتلال في الكشف عن قدرات سلاح المدفعية، فقال "قوة الردع (الإسرائيلية) تآكلت في حرب تموز، وإلى الآن هم عاجزون عن ترميمها (..) ماذا بقي لهذا الاحتلال ليستعرضه؟ فقد صار لدى المقاومة في لبنان وغزة دراية بمعظم الأسلحة المتطورة التي استعملها الاحتلال في ضرب المدنيين"
وأضاف الشرقاوي لـ"الرسالة نت" "إن (إسرائيل) مهما امتلكت من سلاح لا يمكن أن تحقق نجاحات عسكرية؛ لأنها لا تملك عنصراً بشرياً، علاوة على أن معنويات جنودها في الميدان منهارة تماماً، بالتالي كل ما تمتلكه من آلة عسكرية لا يساوي ذرة تراب أمام المعنويات المفقودة لجنودها".
وتابع: "على فرض أن جيش الاحتلال قادر على احتلال غزة بعد دكها بالأسلحة التدميرية؛ لكن ماذا بعد هذا الاحتلال؟ بالطبع سيكون جنودها وآلياتها لقمة سائغة للمقاومة التي ستلاحقهم من شارع لشارع".
وكان ما يسمي بوزير الأمن الداخلي " يتسحاق أهارونوفيتش" دعا –مؤخراً-إلى شن عملية عسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة، زاعماً بأنها ستأتي في إطار الرد (الإسرائيلي) على استمرار عمليات إطلاق القذائف الصاروخية منه.
إخلال بالتوازن العسكري
وتدعي الأوساط (الإسرائيلية) أن هناك مخاوف حقيقية من أن يكون الفلسطينيون قد حصلوا عبر الأنفاق على أسلحة تخل بالتوازن العسكري القائم حالياً، فقد نقلت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية عن مصادر أمنية فلسطينية قولها أن الجيش (الإسرائيلي) يعمل وفق خطة واضحة لضرب البنى التحتية للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، عبر استغلال عمليات إطلاق القذائف الصاروخية محلية الصنع على المستوطنات الواقعة في جنوب (إسرائيل).
وأوضحت المصادر أن (إسرائيل) تستغل عمليات إطلاق القذائف التي لا تسفر في الغالب عن إصابات، لتنفيذ عمليات قصف ممنهج ضد نوعين رئيسيين من الأهداف، وهما: مراكز التدريب التابعة لكتائب القسام، واستهداف الأنفاق التي يزعم الجيش (الإسرائيلي) أنها تستخدم في تهريب السلاح والوسائل القتالية إلى قطاع غزة.
ولم يغفل عامر خليل المختص في الشأن (الإسرائيلي)، وجود نوايا (إسرائيلية) مبيتة للتصعيد في قطاع غزة أو الضفة المحتلة، مشيراً إلى أن المصادر الأمنية (الإسرائيلية) تحدثت عن ذلك بوضوح -من خلال إشاراتها المتكررة- بدخول صواريخ إلى القطاع قادمة من ليبيا، بالتالي يجب مواجهة ما يعتبروه تهديداً لأمن كيانهم الغاصب.
وذكر عامر في حديثه لـ"الرسالة نت" أنه ربما يكون قادة الاحتلال يتخوفون من اندلاع انتفاضة ثالثة في ظل حديث السلطة عن التوجه إلى الأمم المتحدة في أيلول المقبل، ويتوقعون أن تمتد تلك الانتفاضة إلى قطاع غزة، منوهاً إلى التصريحات الإستباقية الداعية إلى شن حرب واسعة على القطاع.
يذكر هنا، أن "شاؤول موفاز" وزير الجيش (الإسرائيلي) الأسبق قال "إن الجيش (الإسرائيلي) يستعد لاحتمالية استدعاء قوات الاحتياط، من أجل مواجهة سيناريوهات أيلول، واحتمالية اندلاع جولة واسعة من المواجهات عنيفة في إعقاب إعلان الفلسطينيين دولتهم المستقلة من جانب واحد"، على حد زعمه.
قرع طبول الحرب
كما كشف سلاح المدفعية (الإسرائيلي) عن استخدامه لطائرات بدون طيار كبيرة من طراز "هيرمس 450" من صنع شركة "إلبيت" بهدف العثور على أهداف لإطلاق نيران أرضية باتجاهها وللكشف عن منظومات أسلحة للخصم وتهديدات أخرى تواجهها القوات البرية، حسب مزاعم "هآرتس" العبرية.
وعدّ عامر هذا الكشف المتكرر فيه "إشارات إسرائيلية توحي بوجود استعدادات يجريها جيش الاحتلال في إطار حرب سيبادر إليها"، مستدركاً " هذه الحرب ليست قريبة؛ لكن يحاول جيش الاحتلال أن يُظهر امتلاكه أدوات رادعة يمكن أن تخيف المقاومة الفلسطينية، وتجعلها تقلل من قيمة استعداداتها للمواجهة".
وذكر عامر " ليس جديداً ما كشفه الاحتلال عن قدراته العسكرية، فهو يملك أسلحة تكنولوجية عالية الدقة"، لافتاً إلى مساعيه في تطوير منظومة أسلحة مضادة للصواريخ سواء قصيرة أو بعيدة المدى، على رأسها "القبة الحديدية".
أما المحلل الأمني هشام المغاري، فقد رأى في كشف الاحتلال مؤخراً عن قدراته العسكرية" محاولة لإيصال رسالة للفلسطينيين "بأن أي منغصات أو تهديات لكيانهم ستقابل بالرد عليها".
وقال: "هناك نظرية في الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية متمثلة في إثبات أنهم موجودون ويتابعون كل التحركات على الأرض".
وأضاف "الكشف الإسرائيلي كله مرتبط بالحرب النفسية المضادة، على اعتبار أن الخصم في حال تمكنه من استخدام أي نوع متطور من السلاح، فإن لديه في المقابل إمكانية للردع"، مبيناً أن الاحتلال يتعامل مع غزة تحديداً بأساليب حربية تتضمن"عمليات الردع" للتأثير على المقاومة وإخافتها من مجرد التفكير في دخول حرب أو مواصلة التسليح.
كما استبعد المغاري في حديث لـ"الرسالة نت" أن تُقْدم (إسرائيل) على حرب واسعة في قطاع غزة على اعتبار أن المتغيرات العربية والإقليمية هي متغيرات حرجة وخطيرة قد تهدد الأمن القومي (الإسرائيلي) .
وعبّر عن اعتقاده بأن المحيط العربي لن يسمح -هذه المرة على الأقل- بالتوغل الكامل في غزة وتوجه ضربة واسعة لها، كون الإشكالات الداخلية والثورات في الوطن العربي، خاصة في مصر، كان سببها (إسرائيل) وما أحدثته تحديداً في غزة من حرب وحصار وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من اضطهاد وعدوان على مدار تاريخ قضيته.
تصدير أزمة داخلية
كما عزا المغاري التصعيد (الإسرائيلي) إلى رغبة نتنياهو في تصدير أزمته الداخلية خارج كيانه الغاصب، من خلال محاولة إثارة الأوضاع الأمنية داخل قطاع غزة وتصوير المشهد على أن ما يؤجج المشكلات الداخلية في (إسرائيل) هي تهديدات غزة.
وفي السياق، عقّب عامر على تصريحات "أهارونوفيتش" قائلاً "ربما يدعم هذا التوجه هو الأزمة التي يواجهها نتنياهو في الشارع الإسرائيلي اقتصادياً واجتماعياً"، مشيراً إلى أن المحللين "الإسرائيليين" يتوقعون لجوء نتنياهو إلى الخيار الأمني والتصعيد العسكري لصرف أنظار الجمهور (الإسرائيلي) ، في ظل عدم امتلاكه إجابات محددة على طلباتهم.
وأضاف: "الحرب عنوان للاحتلال الإسرائيلي على امتداد الصراع، ويبادر إليها على سنوات متفاوتة، بالتالي يمكن أن نقرأ في التصعيد الحالي، حرباً مقبلة سيحدد مسارها التطورات الميدانية والأوضاع السياسية الإقليمية والدولية، وأيضاً الأوضاع الإسرائيلية الداخلية، وإسرائيل على كل الأحوال لا تحتاج إلى أسباب وذرائع لشن عدوان جديد على غزة".
وكان مايسمى رئيس المجلس الاستيطاني "يائير فرجين"، دعا قيادة الجيش(الإسرائيلي) إلى تصفية حسابها مع "حماس" بصفتها المسؤولة عن قطاع غزة، موضحاً أنه لم يعد مقبولاً أن يجري تهوين الأمر بأن "فصائل صغيرة" هي التي تطلق الصواريخ، وعلى حماس "أن تدرك أنها ستدفع ثمنا لكل صاروخ من غزة"، حسب ما نقلته عنه الإذاعة "الإسرائيلية".
أما الشرقاوي فيرى أن التصعيد الصهيوني الأخير على قطاع غزة يهدف لتقوية الجبهة الداخلية(الإسرائيلية) وترميم قوة الردع، بالإضافة إلى هدف الاحتلال في تكرار اختبار منظومة "القبة الحديدية" التي مُنيت بفشل كبير.
وأوضح أن الاحتلال له ثقافة استفزازية في التعامل مع المقاومة بشكل عام سواء من خلال محاولة استفزاز المقاومة اللبنانية مؤخراً على الحدود اللبنانية أو من خلال عمليات استفزاز واستهداف مواقع المقاومة الفلسطينية في غزة بشكل شبه يومي .
وأشار إلى أنه من الطبيعي أن تقابل المقاومة النار بالنار لردع الاحتلال، معتبراً أن المقاومة مجبرة -في إطار الدفاع عن النفس- على مواجهة الاستفزاز (الإسرائيلي) للدفاع عن شعبها.