فهمي هويدي
لا يكف رجب طيب أردوغان عن إدهاشنا، فيوم الأربعاء الماضي (10/8) أعلن في اجتماع سياسي بأنقرة أنه يعتزم زيارة الصومال، مصطحبا معه أسرته، للفت أنظار الجميع بمن فيهم العرب والمسلمون بطبيعة الحال، إلى كارثة المجاعة التي ضربت البلد وأشاعت فيه الخراب والموت.
ليس ذلك فحسب، وإنما قررت حكومته أن تستضيف مؤتمرا طارئا لوزراء خارجية الدول الإسلامية يوم الأربعاء المقبل 17/8 وقد وجه الدعوة لهذا الغرض الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو، الأمين العام لمنظمة التعاون (المؤتمر سابقا) الإسلامي، المعروف بأنه تركى الأصل.
الصحافة التركية التي أبرزت الخبر ذكرت أن السيد أردوغان تحدث مع وزير خارجية مصر السيد محمد كامل عمرو الذى استقبله في أنقرة في اليوم ذاته، عن الأمل المعقود على مشاركة مصر في المؤتمر الطارئ محبذا حضوره شخصيا نظرا لأهمية الدور المصري.
وحسبما ذكرت التسريبات التركية فإن أردوغان كرر هذا المعنى على مسامع الوزير المصري ثلاث مرات أثناء اللقاء، إلا أن الوزير لم يؤكد حضوره ووعد بمراجعة ارتباطاته حين يعود إلى القاهرة.
الصورة تبدو مقلوبة ومسكونة بالمفارقة. فرئيس الوزراء التركي هو المبادر إلى لفت الأنظار والتضامن مع حملة إغاثة الدولة الأفريقية عضو الجامعة العربية، فيقرر الذهاب بنفسه مع زوجته لمعاينة المشهد على الطبيعة.
ولا يكتفى بذلك وإنما يحرك منظمة التعاون الإسلامي، وتستضيف بلاده وزراء خارجية الدول الإسلامية عساهم يفعلون شيئا لإغاثة المنكوبين في الصومال. ومبادرته تلك تعبر عن حرص على تقديم تركيا بحسبانها بلدا كبيرا له دوره الإقليمي والدولي.
وهو بذلك يسعى إلى تغيير الانطباع الذى ساد في بعض الدوائر وتعامل مع تركيا باعتبارها مجرد جسر بين الشرق والغرب. وهو الانطباع الذى أصبح المسئولون الأتراك يلحون في كل مناسبة على نفيه واعتباره تهوينا من شأن الدور التركي وبخسا لحقها.
سجل أردوغان منذ تقلد السلطة في عام 2002 يحفل بالقرائن الدالة على إصرار تركيا على أن تتصرف كدولة كبرى في المنطقة. إذ انطلق متكئا على الأغلبية التي حصل عليها في المجلس التشريعي ومكنته من تشكيل الحكومة، وبعد أن حصد الفوز السياسي جنبا إلى جنب مع النهوض الاقتصادي، أصبح بمقدوره أن يتحرك بثبات وجرأة على الصعيدين الإقليمي والدولي، فكانت سياسة انهاء المشاكل العالقة مع الجيران التي أطلق عليها (زيرو مشاكل) ثم توسيع نطاق التعامل التجاري مع أفريقيا وإلغاء تأشيرات الدخول بين بلاده وبين ست دول عربية واشتباكه العلني مع شمعون بيريز ومقاطعته مؤتمر دافوس غضبا لفلسطين.
ولاحقا إصراره على اعتذار إسرائيل وتعويضها للأتراك الذين قتلتهم في حملة السفينة مرمرة التي قصدت إغاثة غزة، وصولا إلى التعاون مع البرازيل لإيجاد مخرج لأزمة المشروع النووي الإيراني.
وكانت مبادرته قبل الأخيرة أنه أعلن عن رغبته في زيارة قطاع غزة في أعقاب زيارة كان مقررا أن يقوم بها لمصر في الشهر الماضي، ولكن تأجيل الزيارة ترتب عليه تأجيل موعد الزيارة التي أغضبت فكرتها إسرائيل وأثارت حفيظتها.
الخلاصة أن تركيا أصبحت تتحرك في مختلف الساحات طول الوقت، وصرنا لا نكاد نلمح وزير خارجيتها في عاصمة حتى نجده قد طار منها إلى عاصمة أخرى. كما أنه ما من مشكلة تطل برأسها في المنطقة إلا ونفاجأ به في قلبها ساعيا إلى رأب الصدع وإطفاء الحريق.
في الوقت الذى ظلت فيه تركيا تكبر وتكبر، كانت مصر تصغر وتصغر، رغم أنهم هناك لا يكفون عن القول إنه لا غنى عن دور مصر، وأن غيابها يحدث فراغا لا أحد يستطيع ملأه.
وليس خافيا على أحد أن سياسة مبارك والضغوط الأمريكية والإسرائيلية كانت وراء انكفاء مصر وتقزيم دورها طوال الثلاثين سنة الماضية. إلا أنه من الواضح أن هذا الوضع لم يتغير كثيرا بعد قيام الثورة. وهو ما دعاني إلى القول قبل أيام أن شواهد الواقع تكاد توحى بأن مبارك لايزال يدير السياسة الخارجية المصرية. تدل على ذلك اللقطة التي أشرت إليها قبل قليل وحث أردوغان لوزير خارجية مصر ثلاث مرات على حضور الاجتماع الاستثنائي لإغاثة الصومال. وهى المهمة التي كان يفترض أن تقودها مصر وتبادر إليها لا أن تتردد في المشاركة فيها.
قيل لي في تفسير موقف وزير الخارجية المصري أنه ليست لديه تعليمات بخصوص السياسة الخارجية، ويتحدث البعض عن ضغوط مورست خلال الأسابيع الأخيرة لضبط معالم السياسة الخارجية وتثبيتها في حدود مساراتها السابقة. وهى همسات نرى شواهد عدة تؤيد صحتها، لكنني لا أستطيع أن أؤكد مدى صدقيتها وأتمنى أن تكذبها الأيام المقبلة.