الرسالة نت - محمد أبو قمر
تهاجر عقول فلسطينية مميزة بعلمها وعملها إلى البلاد العربية والأوربية رغم افتقار الوطن إليها.
ازدياد هجرة العقول في الآونة الأخيرة يفتح السؤال عن الأسباب التي دفعت أصحابها للإقامة في الخارج دون التفكير بالعودة إلى غزة والضفة المحتلة.
الدكتور حماد ضهير -متخصص في نقل الكلى من سكان مدينة رفح ويقطن حاليا في تركيا- يعزو إقامته في الخارج إلى قلة الإمكانات ومحدوديتها في غزة وهذا ما يجعله عاجزا عن تقديم شيء في حال العودة اليها.
ويقول ضهير في حديث خاص بـ"الرسالة نت": "عملية نقل الكلى تتطلب أدوية يجب على المريض تناولها مدى الحياة لكنها غير متوفرة في غزة، وبدونها يمكن أن يرد جسم المريض الكلية الجديدة".
ويشير إلى أن عملية نقل الكلى تتطلب تكاليف مرتفعة لا تغطى كليا في المستشفيات الحكومية بغزة، وأضاف: "بالإضافة إلى أنه لا يوجد إمكانات كافية في غزة لغسيل الكلى فمريض الفشل الكلوي يحتاج لثلاث جلسات غسيل أسبوعيا تمتد كل جلسة منها لأربع ساعات، وهذا موجود بمستشفيات القطاع بصورة محدودة لسبب الحصار".
الحدود تبقيني خارجا
ووفق ضهير فإن مجال العمل المحدود في غزة يبقيه خارجها، مؤكدا أن المهارة لا تتوقف على يدي الطبيب، "إنما تحتاج لإمكانات طبية وتأمين شامل يغطي تكاليف العلاج".
ويعمل الطبيب الفلسطيني في إحدى المستشفيات التركية المتخصصة بنقل الكلى بعد دراسة للطب استمرت أربعة عشر عاما، ويأمل في أن تتحسن أوضاع غزة ويتمكن من مساعدة أهلها المرضى، "وأن يتطور النظام الصحي بصورة أفضل في حال رفع الحصار عن غزة".
ويجري الطبيب الغزي المتخصص في نقل الكلى خلال الشهر الواحد ما بين عشرين إلى خمسة وعشرين عملية نقل كلى بناء على الشروط التي تضعها المؤسسات الصحية التركية بأن يكون المتبرع أحد أقارب المريض حتى الدرجة الرابعة، ولا يجوز شراء الكلى كما في بعض الدول.
الدكتور ضهير واحد من بين عشرات العقول المهاجرة من الأراضي الفلسطينية لأسباب مختلفة، حيث يتردد على غزة عدد من الأطباء الفلسطينيين المقيمين في الخارج للمساعدة في إجراء بعض العمليات الجراحية المعقدة، ثم يغادرون القطاع.
وفي هذا السياق أكد الدكتور محمد عوض -وزير التخطيط والخارجية- في ورشة عمل نظمتها وزارته حول سياسات التنمية البشرية في فلسطين على أهمية الكوادر البشرية الفلسطينية بحكم أنها "الثروة القومية الفلسطينية الرئيسة".
وقال عوض: "لا بد من تظافر الجهود الفلسطينية لتحقيق أرقى مستوى للتنمية البشرية، وبخاصة في ظل التحديات الراهنة التي نواجهها، وبفعل التقدم الكبير لمفهوم التنمية البشرية على مستوى العالم أجمع.. لأنها أصبحت تتجاوز المفهوم التقليدي في اقتصار التنمية على الجوانب الاقتصادية والصحية لتتجاوزها إلى الشؤون البيئية والأمن الشخصي والاستدامة".
وشدد مدير الإدارة العامة للقوى والتنمية البشرية الدكتور ناصر أبو شعبان -في الورشة نفسها- على ضرورة القيام بخطوات فعالة لاستقطاب العقول الفلسطينية المهاجرة إلى قطاع غزة وخلق بيئة العمل المناسبة لها، "مع أهمية تحفيز المتفوقين في مراكز عملهم ورفع مستواهم في العمل عبر البعثات الخارجية".
ويعد الاحتلال (الإسرائيلي)السبب الأول للهجرة الفلسطينية، حيث شجع على ذلك لهدف إفراغ الأرض من سكانها وتهويدها إلى جانب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها سكان الأراضي الفلسطينية.
خبراء في التنمية البشرية انتقدوا من جانبهم الحال الراهنة في الأراضي الفلسطينية وقالوا إن السلطة الوطنية والمؤسسات والجمعيات والأحزاب لا يمنحون قضية الهجرة الفلسطينية أهمية في برامجهم وآليات عملهم، "خلاف دولة الاحتلال التي تكرس عملها لاستقطاب اليهود من بقاع الأرض".
ما زال هناك
وفي تفاصيل حكاية هجرة اطلعت عليها "الرسالة نت" غادر شخص -يدعى حاليا "أبو العبد"- قطاع غزة منذ ما يزيد عن العقدين للدراسة في ألمانيا، وقد أنهى دراسته المتخصصة في الأشعة.
ومع عودة السلطة إلى الأراضي الفلسطينية رجع إلى القطاع على أمل أن يستقر فيه، ولكنه لم يتمكن من الالتحاق بأي فرصة عمل، مما اضطره للعودة مرة أخرى إلى ألمانيا للعمل هناك، وما يزال موجودا هناك حتى هذه الأيام.
وقد صدرت فتوى لرابطة علماء فلسطين عام 2007 تحرم الهجرة إلى خارج الوطن، وتنص على: "لا يجوز شرعا لأي من أبناء شعبنا المرابط هجرة الوطن لدولة أجنبية لأنه كالتولي يوم الزحف إلا لمبرر شرعي كالتعليم والعلاج وغيره وبنية العودة للوطن والأهل".
وقد أظهرت دراسة حديثة أن هجرة العقول العربية تكلف العالم العربي أكثر من مائتي مليار دولار، وأن الدول الغربية هي الرابح الأكبر من هجرة ما لا يقل عن أربعمائة وخمسين ألفا من هذه العقول.
وأكدت الدراسة أن المجتمعات العربية أصبحت بيئات طاردة للكفاءات العلمية العربية وليست جاذبة لها، "وذلك بما تفرضه من قوانين وأنظمة مقيدة لهذه العقول؛ الأمر الذى أدى إلى استفحال ظاهرة هجرتها".
وأوضحت الدراسة أن 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم، وأن 34% من الأطباء الأكْفاء في بريطانيا هم من العرب، مضيفة أن هناك نحو 75% من الكفاءات العلمية العربية مهاجرة بالفعل إلى ثلاث دول، "تحديدا أمريكا وبريطانيا وكندا".
وبينت الدراسة أن مستوى الإنفاق على البحث العلمي والتقني في الوطن العربي يبلغ درجة متدنية مقارنة ببقية دول العالم، "حيث لا يتجاوز الإنفاق السنوي للدول العربية على البحث العلمي0.2% من إجمالي الموازنات العربية".
وتأتي هذه النسبة في حين تبلغ في (إسرائيل) 2.6% وفي أمريكا 3.6%.
كذلك رأت الدراسة أن ضعف الاهتمام بالعلم والبحث العلمي يعد أحد العوامل المركزية في الضعف الاستراتيجي العربي في مواجهة (إسرائيل) وأحد الأسباب الأساسية وراء إخفاق مشاريع النهضة العربية.