قائد الطوفان قائد الطوفان

المخابرات المصرية.. دراما أمنية خلف الملفات السرية

غزة- شيماء مرزوق

لطالما استحوذت قصص المسلسلات الدرامية المختارة من ملفات جهاز المخابرات المصرية على اهتمام ومتابعة الفلسطينيين بكل ما حملته من وطنية في الطرح وأمانة في العمل, ويبرز من جديد هذا الدور من خلال الدراما القوية التي احاطت أحداث صفقة التبادل في كل مراحلها التفاوضية والتوقيع والتنفيذ التي أشرفت مصر عليها بالكامل بعد أن عادت لتثبت قيمتها كوسيط ولاعب إقليمي رئيسي على الرغم من الاضطرابات الداخلية وتدهور علاقاتها بـ(إسرائيل).

كما ان الحكومة المصرية كانت سعيدة بالترويج للخدمات الذي قدمها رئيس المخابرات اللواء مراد موافي التي عادة ما تكون سرية للغاية بعد أن حل مكان عمر سليمان "رجل مبارك المقرب" وساعد في إتمام الصفقة الاستثنائية بين "حماس" و(إسرائيل).

استعادة دورها

رجال المخابرات المصرية دخلوا الساحة الفلسطينية من أوسع ابوابها بعد اتمام صفقة وفاء الاحرار بوساطتهم واشرافهم على كل مراحلها, بعد ان ظلوا لسنوات رجالا في الظل يتدخلون ويتوسطون ويحركون المياه الراكدة في عدة ملفات هامة خاصة بالقضية الفلسطينية بعيداً عن الاضواء.

ومع اتمام هذه الصفقة تستعيد مصر وجهاز مخابراتها دورهم على الساحة السياسية الإقليمية, فكان من الواضح اختلاف العلاقات بين مصر وحماس بعد ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام مبارك المعروف بمهادنته للكيان الصهيوني ومعاداته لحماس.

وتكشف الصفقة المجمدة منذ سنوات عن تبني النظام المصري الجديد لنهج مختلف في التعامل مع حماس يخالف ذلك الذي تعامل به مبارك معها, ووفقا لما يقوله متابعون فإن مصر أثبتت أنها ما زالت لاعبًا إقليميًا مؤثرًا، وأن وراء الصفقة تقف المصالح المصرية وعلى رأسها الاستقرار بالمنطقة.

وبشهادة مسئولين (إسرائيليين) فإن الصفقة ما كان لها أن تحدث في ظل استمرار الرئيس المصري السابق؛ بسبب فقدان الثقة المتبادلة بين نظامه وحماس وأن التغيير الذي حدث هو السبب في إنهاء حالة الجمود والموافقة على إتمام الصفقة.

فإبان حكم الرئيس السابق تعاملت القاهرة ببرود مع قيادات الحركة وذراعها العسكري، ودخلت معهم في علاقات سيئة، بعكس ما فعل خلفاءه حين فتحوا صفحة جديدة معها وقربوها منهم وعلى رأسهم خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس الذي وصف دور مصر بالتاريخي في إتمام الصفقة، مشيدا بجهاز مخابراتها.

كما وصفت قيادات بالمقاومة الفلسطينية الوسيط المصري بأنه أصبح اليوم أكثر قربًا إلى المقاومة والشعب الفلسطيني وقضيته معتبرة أيضا أن إسقاط نظام مبارك، ساعد على إنجاز هذه الصفقة، حيث أصبح الحوار مع الوسطاء المصريين أكثر سهولة وراحة للمنظمات الفلسطينية.

الروح الحية

بدورها قالت صحيفة «معاريف» (الإسرائيلية) في تقرير لها أن نقل شاليط من «حماس» الى الاستخبارات المصرية كشف النقاب عن «رجال الظلال الذين وقفوا خلف صفقة التبادل»، مشيرةً الى أنه «في لحظة نادرة، عندما اقتيد شاليط في معبر رفح، وقف المسؤولون عن الاختطاف في صف واحد، الى جانب الوسطاء المصريين، رغم أنهم سوف يعودون سريعاً الى التخفي».

وقال معلق الشؤون الأمنية في الصحيفة، عاميت كوهين «خرج من الجيب، مع شاليط، رجل يرتدي بزة عسكرية ويحمل بندقية مع قبعة خضراء، وهو رائد العطار، قائد لواء رفح في القسام ، الذي حرص على الالتصاق بشاليط حتى اللحظة الاخيرة وهو المخطط الأساسي في عملية اختطافه », كما لاحظ كوهين أن «الصور كشفت أيضاً هوية الوسيطين المصريين المسؤولين بقدر كبير عن جسر الهوة بين (إسرائيل) وحماس، وهما الجنرالان رأفت شحادة ونادر العصر، اللذان عيّنهما موافي لتحقيق اختراق في الصفقة، وهما يعرفان جيداً الساحتين (الإسرائيلية) والفلسطينية».

 وقال كوهين إن العصر كان «الروح الحية خلف الصفقة بأسرها، وكان مشاركاً في كل الاتصالات على مدى سنين، وبعد الثورة، تلقى تعليمات بإدارة الاتصالات مع الجعبري من جهة، ومع المسؤول الكبير في الموساد، دافيد ميدان، من جهة أخرى».

وتوقع خبراء وسياسيون مصريون أن تشهد العلاقة بين القاهرة وحركة «حماس» خلال المرحلة المقبلة تحسنا ملحوظا على المستوى السياسي والأمني، بعد أن ظل النظام المصري السابق برئاسة حسني مبارك يروج لمبالغات أمنية مقلقة تجاه «حماس».

وعلى الرغم من اعتبار هؤلاء الخبراء تلك العلاقة إحدى ثمار الثورة المصرية، إلا أنهم وصفوا التغير الذي تشهده علاقة القاهرة الآن بـ«حماس» بأنه «تغير تكتيكي» وليس استراتيجيا، في انتظار ما سيكون عليه شكل المشهد السياسي المصري وحجم تواجد الإسلاميين فيه، حيث سيكون أمام المؤسسة العسكرية وجهاز المخابرات المصري خياران، إما إحداث توافق مع الإسلاميين و«حماس» أو الصدام مع الفريقين.

فرصة حقيقية

من جانبه، يؤكد مدير مركز الدراسات الفلسطينية إبراهيم الديراوي أن العلاقات بين مصر و«حماس» دائما ما كانت تشهد في عهد مبارك توترات على خلفية أن الأخير كان منحازًا إلى السلطة الفلسطينية ممثلة في حركة «فتح» والرئيس محمود عباس على حساب «حماس».

وأوضح ان العلاقة شهدت تغيرًا كبيرًا بعد ثورة 25 يناير، مدللاً على ذلك بالمرحلة الانتقالية الحالية في مصر، ازادت توطيداً بعد اطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين من خلال صفقة التبادل, حيث تحدث مشعل عن دور المخابرات الذي كان امينا على القضية وعلى الاسرى وحقق انجاز حقيقي بالشراكة مع حماس.

واعتبر الديراوي بان مبارك هو من كان يعكر صفو العلاقات بين حماس وجهاز المخابرات العامة الذي تنبأ مبكرا بأهمية دور الحركة في القضية الفلسطينية وكان على يقين بان امن مصر مرتبط بأمن غزة, مشيراً إلى ان علاقة المخابرات والوفد الامني المصري بحماس ازداد بشكل ملحوظ بعد خروج الاحتلال (الإسرائيلي) من قطاع غزة فأصبحت هناك حاجة ملحة للمخابرات لتوطيد علاقتها بحماس.

ونوه الى ان القاهرة كانت تسعى باستمرار لان تلعب دورا حقيقيا في استعادة حقوق الشعب الفلسطيني الا ان السلطة الوطنية وعلى رأسها حركة فتح كانت تطالب باقل الحقوق وهو ما كان يعيق تدخلات مصر مع الاحتلال (الإسرائيلي) لان القيادة الفلسطينية كانت تتنازل عن حقوق شعبها فكيف سيطالب غيرهم بحقوقهم التي تنازلوا عنها.

وأضاف بأنه على الرغم من أن المصالحة الفلسطينية تمت على الورق، إلا أنها أعطت مؤشرات بأن القاهرة جاهزة لإتمام المصالحة، ولرفع الحصار بعد أن أخذت على عاتقها الوعد بتحقيق المرحلة الثانية من «صفقة شاليط»، التي تشمل الإفراج عن 550 أسيرًا فلسطينيًا.

في المقابل، فإن «حماس» أعطت الضوء الأخضر للقاهرة وحدها دون غيرها لإتمام الصفقة, ووصف قيادات الحركة مصر بأنها الوسيط النزيه والقوي والمفاوض الجيد والمؤتمن على الفلسطينيين، وذلك بعد أن فشلت الوساطة الإنجليزية في 2007 ومن بعدها الألمانية.

وقال الديراوي بانه عندما اتيحت الفرصة الحقيقية للمخابرات المصرية استطاعت ان تحقق انجازا مهما على مستوى القضية الفلسطينية, وبالمقابل كان هناك رؤية من رجال المخابرات بان حماس هي الاجدر بإدارة شئون الفلسطينيين والتفاوض باسمهم.

ولفت الى سياسة حماس الحكيمة في التعامل مع الجانب المصري قبل الثورة, حيث لم تضع كل الاجهزة الامنية المصرية في سلة واحدة بل فرقت بين المخابرات الذي اعتبرته افضل المتاح وامن الدولة الذي كان يضطهد الفلسطينيين وخاصة التابعين لها ويتعامل معهم على انهم خطر على الامن المصري, فكانت رؤية حماس مستقبلية وليست انية.

وأكد على ان قادة القسام كانوا متمسكين لآخر لحظة بالوساطة المصرية ويجبرون رجال المخابرات على حضور أي لقاء يجمعهم بوسطاء اخرين خاصة الالماني.

وينقسم جهاز الاستخبارات المصرية إلى ثلاثة أقسام رئيسية: هيئة المخابرات المصرية العامة وتتبع رئاسة الجمهورية، والمخابرات العسكرية وتتبع وزارة الدفاع، ومديرية مباحث أمن الدولة التي تتبع وزارة الداخلية.

وتضطلع الأجهزة الثلاثة بمهمة الحفاظ على الأمن القومي مع تركيز مباحث أمن الدولة على الوضع الداخلي أكثر من الجهازين الباقيين.

مهما يكن الأمر فإن أبطال الساعة هم الوسطاء المصريون الذين برهنوا على مثابرة منقطعة النظير.

البث المباشر