قائمة الموقع

المحرر الحسني.. 26 عاما جمعته بالشهداء والقادة

2011-10-25T08:37:39+02:00

غزة-لميس الهمص

مع ساعات الفجر الأولى يرقب غزة من نافذته الصغيرة، يتنفس نسائم الحرية، تدور في مخيلته معالم البلدة القديمة قبل أن يغادرها منذ ستة وعشرين عاما، يتحدث في سره حينا، ويفصح لزوجته حينا آخر بألا شيء كما كان.. غزة تغيرت.

أكثر من عقدين ونصف قضاها المحرر محمد الحسني خلف قضبان الاحتلال وما زال كابوس المعتقل يلاحقه، يراوده الشك أحيانا بأنه بات حرا دون قيد. 

الدموع غلبت الأسير المحرر من حركة الجهاد لأكثر من مرة خلال حديثه "للرسالة"، منذ أن وطأت قدمه قطاع غزة، فقد ظل يبحث بين الوجوه عله يعرف أحدها فإذا بمن قاسمه غرفة السجن لثماني سنوات يقول له" روحت يأبو وسام اهلك في انتظارك"، غمرته الفرحة والدموع عندما حضن رفيق دربه أحمد الجعبري القيادي البارز في كتائب القسام.

حرقة الاشتياق كوت قلبي وسام وأبيه فتمنيا أن يجمعهما حضن دافئ منذ سنوات، الأب ترك ابنه رضيعا لا يتجاوز السبعة أشهر وها هو الآن بات شابا في السادسة والعشرين، يقول المحرر الحسني بلهفة ودموع : كنت احلم لدى دخولي القطاع برؤية وسام، وبالفعل وجدته وأخذته في حضني وكانت من أجمل لحظات عمري.

وسام الذي ضاقت الأرض بسعادته لم يفارق والده منذ الإفراج، فقد كان يجلس بجواره طوال تواجد "الرسالة" وينظر لعينيه، كثيرا ما شاهدناه يمسك بيده ويقبلها وكأنه يحاول تعويض سنوات الحرمان واللهفة التي عاشها.

شعر الحسني بنشوة الانتصار بمجرد دخوله غزة التي تركها مليئة بالمستوطنات ولكنها الآن باتت محررة وتفيض بالمقاومين الذين انتشروا بزيهم العسكري لاستقبال الأسرى المحررين.

أما أم وسام فتعتبر أن العيد بدأ عندهم في غير أوانه، فبدت تلبس أجمل الثياب وتستقبل المهنئين وتردد "الحياة رجعت للبيت والدنيا ضحكت النا من تاني".

وتتحدث زوجة المحرر الحسني عن قصة قطع حبل وصالها بزوجها منذ ستة وعشرين عاما، لافتة إلى أنها حُرمت خلالها وأولادها من رؤيته نصف مدة أسره، بدواع أمنية زائفة".

ترك الحسني ابنته هيام سنتين، وبعد اعتقاله أنجبت زوجته ابنته أم كلثوم، وتشير ام وسام إلى أن أكثر ما آلمها هو أن تُزفّ بنتاها إلى بيت الزوجية دون حضور والدهما، وتقول:" لحظتها بكيث كثيرا ولم أحتمل الموقف" خاصة عندما كان يوجه رسائله لابنته العروس عبر الجوال ويقول "معلش يا بنتي..سامحيني..برغم ظلم السجن والسجان..اللي بعدوني عنك..بتمنى لو كنت جنبك".

وتستدركك: الحمد لله كل شيء تغير، ما زلت لا أصدق أن زوجي بات بيننا وسيزوج ابنه وسام. يتمنى الحسني أن يستطيع مكافأة زوجته على صبرها برحلة سياحية يقضيها برفقتها.

ذكريات خالدة

العديد من القيادات عايشها المحرر الحسني في سجنه بحكم سجنه الطويل، وعاش معهم لحظات لا تنسى منهم توفيق ابو نعيم ، والدكتور الشهيد عبد العزيز الرنتيسي، والعزيز الغالي كما وصفه الشهيد صلاح شحادة، وفتحي الشقاقي، واحمد الجعبري.

وبحسب الأسير المحرر فإن السجن ضم مدرسة من العظماء الذين كانوا يتفاعلون معهم يوميا في قصص كثيرة ومداعبات يقضون من خلالها أيام السجن وعذاباته.

ويروي بالدموع أن علاقته بالشهيد شحادة كانت قوية  فكثيرا ما جمعهما طبق طعام واحد تشاركا في تهريبه من الخارج للغرف ويقول: كان الشهيد رياضيا عسكريا منضبطا وأنا كنت أتفلت من الرياضة إلا انه كان وقتها يبحث عني ويصر علي ويقول "ضيع الكرش" .. عندما استشهد بكيت عليه طويلا".

الحسني قطع عهدا على نفسه داخل السجن أن يظهر بمجرد الإفراج عنه بالزي العسكري وبيده السلاح، وهذا ما كان بالفعل فقد ظهر في احتفال الكتيبة وحيدا بالزي العسكري، فهو يشعر بان شعبه مجاهد وهو جزء منه.

بدأت قصة أبو وسام مع الاعتقال في شتاء 1986م، كان العام في بدايته، ويتهيّأ الجميع لاستقبال ربيع جديد. أمّا هو فكان لا يعير الدنيا أدنى اهتمام، يُمضى زهرة شبابه يحمل البندقية، يخطط ويقاتل ويترصّد جنود الاحتلال (الإسرائيلي).

وقد أمضى 26 عاما في المعتقل منها 16 عاما في العزل الانفرادي ومستشفى سجن الرملة "مراج" ويحمل الرقم "34" من حيث الأقدمية، ويعتبر أحد أبرز وأقدم معتقلي قطاع غزة، كما يعتبر أحد قيادات حركة الجهاد في السجون والحركة الأسيرة.

وتعرّض الأسير الفلسطيني لأزمة صدرية حادة قبل عشر سنوات، ما زالت تفاعلاتها ترافقه حتى اللحظة، إضافة إلى معاناته من "روماتيزم" في أسفل الظهر، بل كاد أن يفقد السمع في أذنه اليسرى، بفعل التعذيب تحت التحقيق.

"الرسالة" استرجعت رسالة للأسير المحرر بعثها قبل سنوات من سجنه قال فيها: مرت مراحل كثيرة من تبادل الأسرى والإفراج وبقينا ننتظر بكل صبر وثبات الفرج القريب "صفقة التبادل بشاليط" والذي آمل من الله عز وجل أن يكون لي ولإخواني الأسرى وخاصة القدامى منهم نصيب به، فلقد فقدنا الكثير من الأحباب ورفاق الدرب طوال مسيرة النضال، ومن بين أعز من فقدت والدي رحمه الله، الأمر الذي كان له الأثر الكبير في نفسي ولكن ما يعزينا كمسلمين إيماننا بالله واللقاء بهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فإن لم يكن اللقاء في الدنيا فسوف يكون في الآخرة إن شاء الله بصحبة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم والشهداء.

تمنى أبو وسام أن تشمله صفقة التبادل فكان له ذلك فحول الأسرى السجن لمكان للتكبير صباحا ومساء بمجرد الإعلان عن الصفقة.

ويذكر الحسني أن أنباء الصفقة وصلت إليهم قبل الإعلان عنها من قبل رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل وبدأت الأسماء تتسرب للسجن تدريجيا ليعلم أنه مشمول عندها سجد شكرا لله وبدأ بالتكبير.

وارجع الفضل في الإفراج عنه لقيادات حماس العسكرية والسياسية، موضحا أن قسمه ضم 120 أسيرا خرج منهم ثلاثة فقط.

إدارة السجن حاولت تعذيب الأسرى حتى آخر لحظة لهم في المعتقل، فنقلتهم لسجن النقب بسيارات ضمت كراسي حديدية استمر وجودهم عليها لأكثر من أربع ساعات بسائق متهور عمدا كان يلف مسرعا ليسقط الأسرى فوق بعضهم ويتعرضون للأذى.

وبمجرد وصول الأسرى للسجن المذكور شعروا بأن السجان لم يعد له أية سلطة عليهم عندها كبروا طويلا، إلا أن فرحتهم انتقصت لوجود رفاق لهم لازالوا يعانون الأمرين من بطش الاحتلال بحسب الحسني.

المحرر الحسني تحدث بأنه بمجرد دخوله لغزة قابل الكثيرين ممن كان يعرفهم إلا أن ملامحهم غيرها الزمن، "السعادة غمرتي عندما شاهدت الوجوه التي تركتها منذ سنوات باتت في الصفوف الأولى وتقود الشعب الفلسطيني.

"الرسالة" سألت المحرر عن مخططاته للمستقبل فقاطعنا وسام ممازحا "طبعا بعيدا عن التخطيط العسكري" فرد أبو وسام "إحكي عن نفسك أنتا بدك تتزوج، أنا مأمن نفسي، فالمشوار شاق وطويل وإذا طلب مني حمل السلاح فلن أتأخر.

اخبار ذات صلة